الجديدة، فاجتهدوا، واستعملوا آرائهم في ضوء قواعد الشريعة، ومبادئها العامة، ومعرفتهم بمقاصدها، وهكذا ظهر الاجتهاد بالرأي، فلا بد أن يتبعه اختلاف.
وهذا ما حصل في هذا الدور، وما كان له من وجود في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وكما اجتهد الفقهاء في هذا العصر واختلفوا، فقد اجتهدوا واتفقوا، والاتفاق هو الإجماع، وهكذا ظهر الإجماع في هذا الدور كمصدر للفقه، وما كان له وجود في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وكذلك شاع التحديث بالسّنة، وازداد بسبب تفرق الفقهاء في البلاد، وتجدد الحوادث، وضرورة البحث عن أحكامها، فكان ذلك داعيًا إلى السؤال عن السّنة، وقيام الحافظين لها بالتحديث، واستنباط الأحكام منها.
* * *
[طريقتهم في التعرف على الأحكام]
كان الفقهاء في هذا الدور إذا نزلت النازلة، التمسوا حكمها في كتاب اللَّه، فإن لم يجدوا الحكم فيه تحولوا إلى السُّنة، فإن لم يجدوا الحكم تحولوا إلى الرأي، وقضوا بما أداهم إليه اجتهادهم، ولا شك أن هذا النهج هو المنهج السليم.
فقد كان الفقهاء لا يلجأون إلى الرأي إلا إذا لم يجدوا الحكم في الكتاب، أو في السنة، إلا أنهم ما كانوا سواء في رجوعهم إلى الرأي في هذه الحالة، فمنهم المكثر من الرأي، ومنهم المقل.
يقول ابن القيم: " ثم قام بالفتوى بعد برك الإسلام، وعصابة الإيمان، وعسكر القرآن، وجند الرحمن، أولئك أصحابه - رضي الله عنهم -، ألين الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأحسنها بيانًا، وأصدقها إيمانًا، وأعمقها نصيحة، وأقربها إلى اللَّه وسيلة،
وكانوا بين مكثر منها، ومقل، ومتوسط ".
والذين حُفِظَتْ عنهم الفتوى من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مائة ونيف وثلاثون نفسًا ما بين رجل وامرأة.
وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن عمر.
قال أبو محمد بن حزم: ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم،