الدين، ثم النسل، ثم المال.
على حين أن القدامى قد رتبوها ترتيبًا مخالفًا لذلك باعتبار أن مرادنا بالدين هنا:
الشعائر التي تحتاج إلى النية، أو العبادة المحضة، أو محض التعبد، ولو كان في
المعاملات، أو هو إدراك.
وليس مقصودنا بالدين هنا: الإسلام، بل الإسلام في ذلك الاصطلاح أعم من الدين بهذا المفهوم، وبالتالي فهو يشمل هذه المقاصد الخمس، وحينئذ تحل مشكلات كثيرة.
فالإسلام عبارة عن: خطاب اللَّه سبحانه وتعالى للبشر، وخطاب اللَّه للبشر - كما عُرِّف -: " وضع إلهي مَسُوق لذوي العقول السليمة إلى ما فيه منفعة دينهم ودنياهم ".
وهذا الترتيب وإن كان جديدًا إلا أنه لا يخرج عن كلام السابقين، ولا يعارضهم.
وبالتالي فهو لا يخرج أيضًا عن الدليل الشرعي حتى يكون بدعة مثلًا، وإنما هو مدخل من المداخل التي يستقيم معها حال الأمة في العصر الراهن.
وهذا المدخل مؤداه أن الإسلام، وهو خطاب اللَّه سبحانه وتعالى للبشر، أمر
بأوامر، ونهى عن نواهٍ، هذه الأوامر والنواهي مقصدها هو: أن يحافظوا على أنفسهم، وعلى عقولهم في تلك النفوس، وأن يحافظوا كذلك على صلتهم بربهم، تحقيقًا للمقصد الأول من وجود البشرية متمثلة في النفس والعقل وهو: (العبادة) .
ثم أمرهم بعد ذلك أن يحافظوا على نسلهم، وحقوقهم، وعمارة الأرض، وهو الذي يحقق العمارة والعبادة، والعمارة من خلال تلك العبادة هي التي تقوم بها الدنيا، وهي أيضا تقوم بها الآخرة.
* * *
[منطقية الترتيب:]
ترتيب الكليات الخمس على نحو ما قررناه: " النفس، العقل، الدين، النسل، المال " هو ترتيب منطقي، وله اعتبار، حيث إنه يجب المحافظة أولًا على النفس التي تقوم بها الأفعال، ثم على العقل الذي به التكليف، ثم نحافظ على الدين الذي به العبادة، وقوام العالم.
ثم نحافظ بعد ذلك على ما يترتب على حفظ الذات، والعقل، والدين، وهو:
المحافظة على النسل النابخ من الإنسان، وما يتعلق، أو ما يندرج تحت هذا العنوان