ثالثًا: ظهور المجتهدين الكبار ذوي الملكات الفقهية الراسخة، فعملوا على تنمية الفقه، وسد حاجات الدولة من التنطمات والقوانين، وأنشأوا المدارس التي ضمت نوابغ الفقهاء.
رابعًا: تدوين السنة، فقد دونت السنة، وعرف صحيحها وضعيفها، فكان في ذلك تسهيل لعمل الفقهاء، وتوفير الجهد عليهم، فقد وجدوا السنة بين أيديهم يصلون إليها دون كبير عناء، والسنة هي مادة الفقه ومصدره الثاني.
وفي هذا الدور أيضًا دون الفقه، وضبطت قواعده، وجمعت أشاته، وألفت
الكتب في مسائله، وصار بناؤه شامخًا، وعلمه متميزًا عن غيره قائمًا بنفسه.
* * *
[الدور الثالث - عصر التقليد]
يبدأ هذا الدور من منتصف القرن الرابع إلى سقوط بغداد سنة (٦٥٦ هـ) ، وهو دور ركود الفقه.
فقد جنح الفقهاء إلى التقليد، مع أن الأصل في الفقيه أن يكون مجتهدًا مستقلًا، لا يتقيد بمذهب معين، وإنما يتقيد بنصوص الكتاب والسنة، وما يؤديه إليه اجتهاده المقبول، فهو يستنبط الأحكام الشرعية من مصدريها العطمين الكتاب والسنة، وما يرشدان إليه من مصادر أخرى، إلا أنه في هذا الدور ضعفت همم الفقهاء، واتهموا نفوسهم بالتقصير، والعجز عن اللحوق بالمجتهدين السابقنِن بالرغم من رسوخهم في الفقه، وتهيئ أسبابه لديهم، ووجود مادته بين أيديهم من سنة ونحوها، يصلون إليه
بيسر وسهولة.
وكان ذلك من أسباب شيوع التقليد بين الفقهاء إلا القليل النادر.
ونستطيع أن نلخص أسباب التدهور في هذا الدور فيما يلي:
أولًا: ضعف السلطان السياسي للخلفاء العباسيين، فالدولة لم تعد كما كانت قبل، وإنما تقطعت أجزاؤها، وقامت في أنحائها دويلات مما أثر في حياة الفقه والفقهاء.
ثانيًا: أن المذاهب الإسلامية دُوِّنَت تدوينًا كاملًا، مع تهذيب مسائلها، وتبويب مسائلها الواقعية، مما جعل النفوس تستروح إلى هذه الثروة الفقهية، والاستغناء بها عن البحث والاستنباط.
ثالثًا: ضعف الثقة بالنفس، والتهيب من الاجتهاد، فقد اتهم الفقهاء نفوسهم