بالضعف والعجز والتقصير، وظنوا أنهم غير قادرين على تلقى الأحكام من منابعها الأصلية، وأن الخير لهم، واللائق بهم التقيُّد بمذهب معروف، والدوران في فلكه، والتفقه بأصوله، وعدم الخروج عليه.
وفي هذا الدور سد باب الاجتهاد، لأنه لما كثرت ادعاءات الاجتهاد ممن ليسوا أهله، وخشى الفقهاء من عبث هؤلاء الأدعياء وإفسادهم دين الناس بالفتاوى الباطلة التي لا تقوم على علم أو فقه، أفتوا بسد باب الاجتهاد ودفعًا لهذا الفساد، وحفظًا لدين الناس.
والحق أن الاجتهاد باق في حكم الشريعة، ولا يزول، إلا أن الاجتهاد لا بد له من توافر شروطه، فمن تتوافر فيه هذه الشروط فله أن يجتهد، ومن لم يحط بها فحرام عليه الإفتاء في شرع اللَّه بغير علم.
ومع ذلك فقد قام الفقهاء في هذا العصر بأعمال نافعة منها:
١ - تعليل الأحكام المنقولة عن أئمتهم، فليست كل الأحكام المنقولة عن الأئمة نُقِلَ تعليلها معها.
٢ - استخلاص قواعد الاستنباط من فروع المذهب للتعرف على طرق الاجتهاد التي سلكها إمام المذهب.
٣ - الترجيح يين الأقوال المنقولة عن الإمام، فقد يكون الناقل لقوله ناقلًا قولًا رجع عنه، ولم يعلم برجوعه، وقد يكون بين القولين المختلفين فرق دقيق هو سبب اختلاف القولين، وقد يكون مأخذ أحد القولين قياسًا والآخر استحسانًا، فقام الفقهاء بترجيح
هذه الأقوال في ضوء ما عرفوه من أصول المذهب وقواعده.
٤ - تنظيم فقه المذهب، وذلك بتنظيم أحكامه، وإيضاح مجملها، وتقييد
مطلقها، وشرح بعضها، والتعليق عليها، ودعمها بالأدلة، وذكر المسائل الخلافية مع المذاهب الأخرى، وتحرير أوجه الخلاف، وذكر الأدلة لدعم قول المذهب، وبيان رجحانه.
ولا شك أن هذه الأعمال خدمة كبيرة للفقه، وتوسيعًا له، وتوضيحًا لمبهمه.