وقال أسد بن الفرات أيضًا بهذا السند: قال لي أسد بن عمرو: " كانوا يختلفون عند أبي حنيفة في جواب المسألة فيأتي هذا بجواب، وهذا بجواب، ثم يرفعونها إليه، ويسألونه عنها، فيأتي الجواب من كثب - أي من قرب - وكانوا يقيمون في المسألة ثلاثة أيام ثم يكتبونها في الديوان ".
وضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينهم لم يستبد فيه بنفسه دونهم، اجتهادًا منه في الدين، ومبالغة في النصيحة للَّه ورسوله والمؤمنين، فكان يلقى المسائل مسألةً مسألةً، ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده ويناظرهم شهرًا، أو أكثر حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها أبو يوسف في الأصول حتى أثبت الأصول كلها، وهذا يكون أولى
وأصوب، وإلى الحق أقرب، والقلوب إليه أسكن وبه أطيب، من مذهب من انفرد فوضع مذهبه بنفسه، ويرجع فيه إلى رأيه "..
انتهى ما أردته من كلام الكوثري رحمه اللَّه تعالى.
* * *
[أسس المذهب الحنفي:]
١ - يمتاز مذهب أبي حنيفة بالفقه التقديري في مسائل لم تقع، ويفرض وقوعها، وقد كثر هذا النوع عند أهل القياس، لأنهم إذ يحاولون استخراج العلل للأحكام الثابتة بالكتاب، والسنة يوجهونها، فيضطرون إلى فرض وقائع، لكي يسيروا بما اقتبسوا من
علل الأحكام في مسارها واتجاهها، فيوضحونها بالتطيق على وقائع مفروضة، وقد توسع أبو حنيفة في الفقه التقديري إلى مدى لم يسبق إليه، وسلك الفقهاء من بعده مسلكه فكانوا يفرضون مسائل أحيانًا ويفتون فيها، وكان في ذلك نمو عظيم للفقه والاستنباط.
٢ - وقد نص الإمام أبو حنيفة على أصوله التي بنى عليه مذهبه، فروى الخطب في تاريخه عنه: " آخذ بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم أجد في كتاب اللَّه ولا سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، أخذت بقول الصحابة، آخذُ بقول من شئتُ
منهم، وأدع من شئت منهم، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فأما إذا انتهى الأمر إلى إبراهيم، والشعبي، وابن سيرين، والحسن، وعطاء، وسعيد بن المسيب -