الأصل الخامس: القياس للضرورة، فإذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نص، ولا قول الصحابة أو واحد منهم، ولا أثر مرسل، أو ضعيف عدل إلى الأصل الخامس وهو القياس، فاستعمله للضرورة.
فهذه الأصول الخمسة من أصول فتاويه، وعليها مدارها، وقد يتوقف في الفتوى لتعارض الأدلة عنده، أو لاختلاف الصحابة فيها، أو لعدم اطلاعه فيها على أثر أو قول أحد من الصحابة والتابعين، وكان شديد الكراهة والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف، كما قال لبعض أصحابه: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام، كان
يسوغ استفتاء فقهاء الحديث، وأصحاب مالك، ويدل عليهم، ويمنع من استفتاء من يعرض عن الحديث، ولا يبني مذهبه عليه، ولا يسوغ العمل بفتياه ".
ونستطيع أن نفصل الكلام على أسس المذهب الحنبلي فيما يلي:
١ - منزلة النصوص:
للنصوص المكانة الأولى في الاستدلال عند الإمام أحمد،
واشتهر بوقوفه عندها.
ولهذا فمن أصول المذهب الحنبلي: أن النصوص وافية بجمهور
أحكام أفعال العباد.
ويرى الإمام أحمد أن مرتبة نصوص الكتاب والسنة واحدة ما دامت الأحاديث ثابتة وصحيحة، فلا يقدم بعضها على بعض.
ويرى الحنابلة أن السنة بيانًا للقرآن الكريم، فحيثما كان ظاهر القرآن مخالفًا للسنة لا يردون السنة، ولا يقدمون نصوص القرآن على نصوص السنة في البيان للأحكام، وإن كانت مقدمة في الاعتبار، لأن حجية السنة ثبتت بطريق الكتاب.
ولهذا فالإمام أحمد لا يفرض أن يقع تعارض بين ظاهر الكتاب والسنة، لأن ظاهر القرآن يحمل على ما جاءت به السنة، إذ هي المبينة له.
٢ - الوقوف عند النص عامه وظاهره: أما العام: فيرى جمهور العلماء أنه يمتنع العمل بالعام قبل البحث عن مخصص، يينما يرى الصيرفي أنه يجب اعتقاد عمومه في الحال عند سماعه والعمل بموجبه، ووافقه عليه ابن بَرْهان والإمام فخر الدين الرازي وأتباعه.