(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ... ) .
إلى غير ذلك من النصوص التي تدعو إلى السلام، وإلى السلم.
وهي لا تعارض قوله تعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) ؛ لأن هذا عَرَض وذاك عَرَض لقضية الدعوة، وإنما الأصل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .
وكذلك: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
ولا يعترض علينا في هذا المقام بالقول بأن آية السيف قد نسخت غيرها من الآيات التي تدعو إلى السلام.
أضف إلى ذلك الغموض الشديد الذي يكتنف أصل القول بالنسخ.
من هنا ومع كوننا الآن في باب التأصيل والتنطر، فلا نستطيع الأخذ بالاحتمالات، والقرآن في أساسياته وكذا السنة المشرفة لا ينفيان هذا التصور الذي ذهبنا إليه.
ومن فروع هذه المسألة: تفضيل ابن تيمية للكافر العادل في حكمه على المسلم الجائر في حكمه في جانب عمارة الدنيا، إذ العدل أساس الملك.
فابن تيمية يرجح هذا حيث وافق الكافرُ العادلُ - هنا - حضارةَ الإسلام، وإن خالف دين الإسلام، حيث إن منشأ هذه الحضارة هو: العدل، الذي به قوام النفس، والعقل، والنسل، والمال، ذلك الأمر الذي تقوم به الدنيا في حين أن الجور يُذهبها.
فالمسلم وإن كان متعلقًا بدين، إلا أنه - وفي حالة جوره - يُذهب القيمةَ التي تنبني على المقاصد الأخرى التي بها العبادة والعمارة، وهذا لا يحقق النتيجة في الواقع المعاش.
وعلى هذا يتنزل كلام ابن تيمية، أضف إلى ذلك أن كلامه يمكن أن يتخرج على أنه من قبيل تقديم المصلحة العامة على الخاصة، وهو ما يؤكد ويؤيد ما قررناه في ترتيب الكليات.
ويؤيد هذا ما قاله الإمام الشعراني، من أن المسلم إذا دخل أرض كفر فعليه أن يلتزم بقوانينهم التي لا تخالف الشريعة؛ لأن اللَّه قد ألهمهم بها لعمارة الدنيا، فهي إذن لا تتعارض مع ما شرعه اللَّه، وما يريده المسلم ويراه، وطالما أنها من إلهام اللَّه لهم،
فلا بد أن تكون مندرجة تحت الإسلام بالمعنى العام الذي هو أوسع من مفهوم الدين بالمعنى الذي اخترناه.