٢ - ثم ترى ذلك عن الإمام الشافعي (ت ٤٠٢ هـ) في حديث " إنما الأعمال بالنيات " حيث يقول: يدخل في هذا الحديث ثلث العلم، ويجعل ثلاثة أحاديث يبني عليها الدين، وهي طريقة تبين آلية التقعيد في ذهن الإمام الشافعىِ.
ثم يأتي البيهقي (ت ٤٥٨) فيذكر خمسة أحاديث، ثم يأتي النووي (ت ٦٧٦ هـ)
ويجمع أربعين حديثًا من هذه التي قيل فيها إنها من قواعد الدين، وهكذا.
وأرى أن هذا التوجيه إنما يبين الرغبة في التقعيد المؤيد بالفعل النبوي الشريف، المشتمل على الإرشاد لمثل هذا النوع من التعامل مع العلم والمعلومات.
٣ - قال الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية: " اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم به يطلع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه، وأسراره، ويتمهر في فهمه، واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة
أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان، ولهذا قال بعض أصحابنا: الفقه معرفة النظائر.
وحكى القاضي أبو سعيد الهروي أن بعض أئمة الحنفية بهراة، بلغه أن الإمام أبا طاهر الدباس إمام الحنفية بما وراء النهر رد على جميع مذهب أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة فسافر إليه، وكان أبو طاهر ضريرًا، وكان يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد أن يخرج الناس منه، فالتف الهروي بحصير، وخرج الناس وأغلق أبو طاهر المسجد، وسرد من تلك القواعد سبعًا، فحصلت للهروي سعلة، فأحسَّ به أبو طاهر
فضربه وأخرجه من المسجد، ثم لم يكررها فيه بعد ذلك، فرجع الهروي إلى أصحابه وتلا عليهم تلك السبع.
قال القاضي أبو سعيد: فلما بلغ القاضي حسينًا ذلك رد جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد:
الأولى: اليقين لا يزول بالشك، وأصل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيقول له: أحدثت فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا ".
الثانية: المشقة تجلب التيسير، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " بعثت بالحنيفية السمحة ".