فدلَّ الحديثُ على ما ذكرَه المصنِّفُ في بيعِ الذَّهبِ بالذَّهبِ والفضَّةِ بالفضَّةِ من اشتراطِ التَّماثلِ، والحلولِ، والقبضِ في المجلسِ، وكما تُشترطُ هذه الثَّلاثةُ في الذَّهبِ والفضَّةِ؛ كذلك تُشترطُ في المتماثلاتِ من الأطعمةِ، ويُقاسُ على هذهِ الأشياءِ الستَّةِ ما شارَكها في العلَّةِ.
والعلَّةُ في «الذَّهبِ والفضَّةِ» هي النَّقديَّةُ أو الثمنيَّةُ، فيُقاسُ عليهما كلُّ ما جُعِلَ أثمانًا، كالأوراقِ النَّقديَّةِ المستعملةِ في هذه الأزمنةِ، فيَحرمُ فيها التفاضلُ إذا بِيع بعضُها ببعضٍ مع اتَّحادِ الجنسِ، وما سِوَى الذَّهبِ والفضَّةِ من الموزوناتِ، كالحديدِ والنُّحاسِ والرَّصاصِ والقُطنِ والكَتانِ والصُّوفِ والغَزلِ وغيرِها؛ فلا رِبَا فيها، فيجوزُ بيعُ بعضِها ببعضٍ متفاضلًا ومؤجَّلًا.
والعِلَّةُ في بقيَّةِ الأصنافِ الستَّةِ، وهي:«البُرُّ، والشَّعِيرُ، والتَّمرُ، والمِلْحُ»؛ هي الطُّعْمُ؛ أي: كونُها تُطْعَمُ وتُؤْكَلُ، ويَدُلُّ عليه حديثُ مَعْمَرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه قال: كنتُ أسمعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ»(١).
سواءٌ كان هذا الطعامُ للتَّقوُّتِ أو التَّفكُّهِ أو الإصلاحِ أو التَّداويِ، وقد جاء في حديثِ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه السَّابقِ:«الْبُرُّ والشَّعِيرُ»، والمقصودُ بهما التَّقَوُّتُ، فأُلْحِقَ بهما ما في معناهما، كالأرزِ والذُّرةِ، وكذلك «التَّمْرُ»، والمقصودُ منه التَّفَكُّهُ