للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«الزَّعِيمُ غَارِمٌ»، وأمَّا المضمونُ عنه فلأنَّ الدَّيْنَ باقٍ عليه، ولا ينتقلُ من ذمَّةِ المضمونِ عنه إلا بالأداءِ، وقد حثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا قتادةَ رضي الله عنه على قضاءِ ما ضمِنه، فلمَّا قضَاه، قال له: «الْآنَ بَرَّدتَّ عَلَيْهِ جِلْدَهُ»، فدلَّ على أنَّ الميِّتَ لم يبرأْ منه إلَّا بالقضاءِ.

وقولُ المصنف رحمه الله: «إِذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى مَا بَيَّنَّا»؛ أي: فيما تقدَّمَ من كونِ الدينِ مُسْتَقِرًّا معلومَ القدرِ.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا غَرِمَ الضَّامِنُ رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ إِذَا كَانَ الضَّمَانُ وَالْقَضَاءُ بِإِذْنِهِ»، إذا غرِمَ الضَّامنُ الحقَّ لصاحبِه رجَع بما غرِمَه على المضمونِ عنه إذا كان الضَّمانُ والقضاءُ للدَّينِ بإذنِ المضمونِ عنه، أمَّا إذا ضمِن بغيرِ إذنِه وقضَى بغيرِ إذنِه لم يرجعْ عليه؛ لأنَّه تبرَّعَ بالقضاءِ.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ، وَلَا مَا لَمْ يَجِبْ؛ إِلَّا دَرْكَ الْمَبِيعِ»، لا يجوزُ ضمانُ الدينِ المجهولِ قدرُه، أو قيمتُه، أو صفتُه؛ لأنَّه غَرَرٌ، والغررُ منهيٌّ عنه كما سبق، وكذلك لا يصحُّ ضمانُ ما لم يجبْ؛ كأنْ يقولَ رجلٌ لآخرَ: «ما تُداينُ به فلانًا فأنا ضامنٌ له»؛ لأنَّ الضَّمانَ وثيقةٌ بالحقِّ، فلا يَسْبِقُ وجُوبَه كالشَّهادةِ، ويُسْتَثْنَى من ذلك «ضمانُ دَرْكِ المبيعِ»، والدَّرْكُ في اللغةِ: اللَّحاقُ والوصولُ إلى الشيءِ، يُقالُ: أدركتُه إدراكًا؛ أي: لحِقتُه، وفي الاصطلاحِ: هو أنْ يضمنَ للمشتري الثمنَ إذا خرجَ المبيعُ مستحقًّا لغيرِ البائعِ، أو معيبًا، ونحوَ ذلك، واسْتُثْنِيَ هذا النَّوْعُ؛ لأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إليه، فالمعاملةُ مع مَن لا يُعْرَفُ

<<  <   >  >>