للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِعَشَرةِ دنانيرَ، فقال: ما عندي شيءٌ أعطيكَه، فقال: لا واللهِ لا أفَارِقُكَ حتَّى تَقْضِيَنِي، أَوْ تَأْتِيَنِي بِحَمِيلٍ، فجرَّه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «كَمْ تَسْتَنْظِرُه؟»، فقال: شهرًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «فَأَنَا أَحْمِلُ لَهُ»، فجاءه بِقَدْرِ ما وَعَدَهُ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَ هَذَا الذَّهَبَ؟»، قال: مِن مَعْدِنٍ، فقال صلى الله عليه وسلم: «فَاذْهَبْ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا، لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ»، وقضاها عنه (١).

والكفالةُ بالبدنِ مما تمسُّ إليه الحاجةُ، فقد يشتري إنسانٌ سلعةً هو في حاجةٍ إليها، ولا يجدُ الثَّمَنَ، ولا يطئمنُّ البائعُ إليه فلا يرضى بإنظارِه، فيحتاجُ في هذه الحالِ إلى كفيلٍ، وقد يستقرضُ مالًا هو في حاجةٍ إليه، ويطلبُ المقرِضُ كفيلًا، وقد يقعُ في جنايةٍ يُعاقَبُ عليها، وهو بعيدٌ عن بلدِه، وعليه حقوقٌ وتَبِعاتٌ يُضطرُّ إلى أجَلٍ للقيامِ بها، فيحتاجُ إلى مَن يكفلُه حتى يذهبَ ويعودَ، وقد يُضطرُّ إنسانٌ إلى استعارةِ عينٍ، ولا يرضى صاحبُها بإعارتِها له إلا بكفيلٍ يضمنُ له ردَّها سالِمةً، وقد تكونُ في يدِه عينٌ مغْصوبةٌ، يحتاجُ إلى أجلٍ لإحضارِها، فيأبى صاحبُها أنْ يفلتَه إلا بكفيلٍ، وهكذا، فالمصلحةُ في تشريعِ الكفالةِ واضحةٌ،


(١) رواه أبو داود (٣٣٢٨)، وابن ماجه (٢٤٠٦)، والحاكم (٢١٦١)، وصححه، وأقره الذهبي، و «الحميلُ»؛ أي: الكفيلُ. وردُّه صلى الله عليه وسلم للذَّهبِ الذي استخرجَه المكفولُ من المعدنِ، وقولُه له: «لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ»؛ لأنَّ الذي تحمَّله صلى الله عليه وسلم عنه كان دنانيرَ مضروبةً، والذي جاء به كان ذهبًا غيرَ مضروبٍ، وليس بحضرتِه صلى الله عليه وسلم من يضربُه دنانيرَ، وإنما كانت تُحْمَلُ الدَّنَانِيرُ إليهم من بلادِ الرومِ، وأوَّلُ من ضربَ الدَّنَانِيرَ في الإسلامِ هو عبدُ الملكِ بنُ مروانَ، كما في «معالم السنن» للخطابي (٣/ ٥٥).

<<  <   >  >>