المالكِ، وشَرَطَ له جزءًا معلومًا؛ كالثُّلثِ أو الرُّبعِ من زرعِها، وهو المسمَّى بالمزارعَةِ، أو كان البذرُ مِن العاملِ وشَرَطَ للمالكِ جزءًا معلومًا؛ كالثُّلثِ أو الرُّبعِ، وهو المسمَّى بالمخابرَةِ لم يجزْ في الصورتينِ؛ للنَّهيِ عن الأولى؛ كما في حديثِ رافعِ بنِ خَديجٍ رضي الله عنه السَّابقِ، وعن الثَّانيةِ في حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم:«نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَلَا يُبَاعُ إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلَّا الْعَرَايَا»(١).
ولأنَّ تحصيلَ منفعةِ الأرضِ ممكنةٌ بالإجارةِ، فلم يجزِ العملُ
(١) رواه البخاري (٢٢٥٢)، ومسلم (١٥٤٨)، و «المحاقلة»: مأخوذةٌ من الحقلِ، وهو الزرعُ إذا تشعَّبَ قبلَ أن يغلظَ سوقُه، والمرادُ بها: بيعُ الزرعِ القائمِ بالحبِّ كيلًا، و «المزابنةُ»: مأخوذةٌ من الزَّبنِ، وهو الدَّفعُ، ولذلك يقال لبعضِ ملائكةِ العذابِ: زبانيةٌ؛ لأنَّهم يدفعونَ أهلَ النَّارِ إلى النَّارِ، والمرادُ بها: بيعُ الرُّطبِ على نخلِه بتمرٍ في الأرضِ، وسُمِّي بيعُ الرطبِ بالتمرِ مزابنةً؛ لأنَّه دفعُ التمرِ بالرطبِ، وهو لا يجوزُ؛ لعلةِ الرِّبَا بعدمِ تماثلِه، و «العرايا»: جمع عريَّة، وهي في اللغةِ ما انفردَ بذاتِه وتميَّزَ عن غيرِه، يُقالُ: عرِي الرجلُ إذا تجرَّد عن ثيابِه، والمرادُ بها: بيعُ الرطبِ على النخلِ بتمرٍ في الأرضِ، أو عنبٍ في الشجرِ بزبيبٍ، خرصًا -أي: تقديرًا- فيما دون خمسةِ أوسقٍ .. وجاء في حديثِ سهلِ بنِ أبي حثمةَ رضي الله عنه -كما في البخاري (١٥٣٦)، ومسلم (١٥٤٠) -: «نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن بيعِ الثمرِ بالتمرِ، وقال: «ذَلِكَ الرِّبَا، تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ»، إلا أنه رخَّص في بيعِ العرِيَّةِ، النخلةِ والنخلتينِ، يأخذُها أهلُ البيتِ بخرصِها تمرًا يأكلونَها رُطَبًا»، فهذا النوعُ مستثنى من بيعِ المزابنةِ المنهيِّ عنه، فمن أدرك الرطبَ ولا نقدَ بيدِه ليشتريَ لعيالِه، ولا نخلَ له يطعمُهم منه، ويكونُ قد فضَلَ له من قوتِه تمرٌ، فيجيءُ إلى صاحبِ النخلِ فيقولُ له: بعني ثمرَ نخلةٍ أو نخلتين بخرصها من التمرِ، فيعطيه ذلك الفاضلَ من التمرِ بثمرِ تلك النخلاتِ؛ ليصيبَ من رطبِها مع الناسِ، ولما كانت العريَّةُ مستثناةً من بيع المزابنةِ فتقتصرُ الإباحةُ على ما وردَ به الشرعُ، وهو ما دُونَ خمسةِ أوْسُقٍ.