وقال حضينُ بنُ المنذِرِ رحمه الله:«شهدتُ عثمانَ بنَ عفَّانَ وأُتِيَ بالوليدِ قد صلَّى الصُّبحَ ركعتينِ، ثمَّ قالَ: أَزيدُكم، فَشَهِدَ عليه رَجُلانِ أحدُهما حُمْرَانُ أنَّه شَرِبَ الخمرَ، وشَهِدَ آخَرُ أنَّه رآه يتقيَّأُ، فقال عثمانُ: إنَّه لم يتقيَّأْ حتَّى شَرِبَها، فقالَ: يا عليُّ، قمْ فاجلدْه، فقال عليٌّ: قمْ يا حَسنُ فاجلدْه، فقال الحسنُ: ولِّ حارَّها من تَوَلَّى قارَّها، فكأنَّه وَجَدَ عليه، فقالَ: يا عبدَ اللهِ بنَ جعفرٍ، قمْ فاجلدْه، فجَلَدَه وعليٌّ يَعُدُّ حتَّى بَلَغَ أربعين، فقالَ: أَمْسِكْ، ثمَّ قالَ: جَلَدَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أربعينَ، وجَلَدَ أبو بكرٍ أربعينَ، وعمرُ ثمانين، وكُلٌّ سُنَّةٌ، وهذا أَحَبُّ إليَّ»(١).
قال أبو شجاع رحمه الله:«وَيَجِبُ عَلَيْهِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: بِالْبَيِّنَةِ، أَوِ الْإِقْرَارِ»؛ أي: يَثْبُتُ الحدُّ على من شَرِبَ المسْكِرِ بالبيِّنةِ، بأن يَشْهَدَ عليه رَجُلانِ عدلانِ بذلك؛ للحديثِ السَّابقِ، وفيه: «فَشَهِدَ
(١) رواه مسلم (١٧٠٧)، وقولُه: «شَهِدْتُ عثمانَ بنَ عفَّانَ وأتى بالوليدِ»؛ أي: حضرتُ عندَه بالمدينةِ وهو خليفةٌ، والوليدُ: هو الوليدُ بنُ عقبةَ بنِ أبي مُعَيْطٍ، أتى به من الكوفةِ، وكانَ واليًا عليها، وصلَّى بالنَّاسِ الصُّبحَ ركعتينِ وهو سكران ثمَّ التفتَ إليهم فقالَ: أَزيدُكم؟ فقال أهلُ الصَّفِّ الأوَّلِ: ما زِلنا في زيادةٍ منذُ وَلِيتَنا؛ لا زادَكَ اللهُ من الخيرِ، وحَصَبَ النَّاسُ الوليدَ بحصباءِ المسجدِ، فشاعَ ذلك في الكوفةِ، وجرى من الأحوالِ ما اضْطَرَّ أميرَ المؤمنينَ عثمانَ رضي الله عنه إلى استحضارِه، وقولُ الحسنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما: «وَلِّ حارَّها من تولَّى قارَّها»؛ الحارُّ: الشَّديدُ المكروهُ، والقارُّ: الباردُ الهنيءُ الطَّيِّبُ، وهذا مَثَلٌ مِن أمثالِ العربٍ؛ قال الأصمعيُّ رحمه الله: معناه ولِّ شِدَّتَها وأوساخَها من تولَّى هنئتَها ولذَّاتِها، والضميُر عائدٌ إلى الخلافةِ والولايةِ؛ أي: كما أنَّ عثمانَ وأقاربَه يتولَّوْنَ هنيءَ الخلافةِ ويختصُّونَ به؛ يتولَّوْنَ نَكَدَها وقاذوراتِها، ومعناه: لِيَتَوَلَّ هذا الجَلْدَ عثمانُ رضي الله عنه بنفْسِه أو بعضُ خاصَّةِ أقاربِه الأدْنَيْنَ. وقولُه: «وَجَدَ عليه»؛ أي: غَضِبَ عليه.