(٢) هذا كما قلت المشهورُ في مذهبِ الشَّافعيَّةِ؛ ولكنَّ الصَّحيحَ أنَّ الشَّافعيَّ رحمه الله يقولُ بكفرِ تاركِ الصَّلاةِ، فقد ذَكَرَ أبو جعفر الطَّحاويُّ رحمه الله الاختلافَ في حكمِ تاركِ الصَّلاةِ -إذا كان مقرًّا بفرضيَّتِها- في كتابِه «مشكل الآثار» (٨/ ٢٠٥)، فقالَ: «وقد اختَلفَ أهلُ العِلمِ في تاركِ الصَّلاةِ كما ذكرْنا فجعلَه بعضُهم بذلك مرتدًّا عن الإسلامِ، وجعلَ حكمَه حكمَ من يُستتابُ في ذلك، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ، منهم الشَّافعيُّ، ومنهم من لم يجعلْه بذلك مرتدًّا، وجعلَه من فاسقي المسْلمينَ وأهلِ الكبائرِ منهم، وممَّن قال بذلك أبو حنيفةَ رحمه الله وأصحابُه»، وأبو جعفرٍ الطَّحاويُّ هو ابنُ أختِ المزنيِّ رحمه الله، والمزنيُّ من عِلْيَةِ أصحابِ الشَّافعيِّ، وهو الذي غسَّله عندَ موتِه، ولا يتقدَّمُه أحدٌ من أصحابِ الشَّافعيِّ، حتَّى قال فيه الشَّافعيُّ: المزني ناصر مذهبي، وقد أَخَذَ الطَّحاويُّ مذهبَ الشَّافعيِّ عن خالِه المُزنيِّ، ثم انتَقلَ لمذهبِ أبي حنيفةَ، وهو من أبصرِ النَّاسِ بالشَّافعيِّ وباختلافِ العلماءِ، وقد ذَكَرَ ذلك أيضًا في كتابِه «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ٣٩٣)، وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، فقد روى مسلم في «صحيحه» (٨٢)، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»، ولا يُمْكِنُ حملُ هذا الحديثِ على تركِ الجحودِ، وذلك لأنَّ تركَ الجحودِ يَشتركُ فيه مع الصَّلاةِ جميعُ أركانِ الإسلامِ، وكذلك ما كان معلومًا من الدِّينِ بالضَّرورةِ، فتخصيصُ الصَّلاةِ دونَ غيرِها يَدُلُّ على أنَّهُ يكفُرُ بمجرَّدِ التَّركِ وإن لم يكنْ جاحدًا، وإلَّا فما الفائدةُ من تخصيصِ الصَّلاةِ في الحديثِ؟!