للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ حَيًّا فَيُذَكَّى»، الجنينُ الذي يوجدُ في بطنِ أمِّه المذكاةِ ميِّتًا يحلُّ أكلُه؛ لأنَّ ذكاتَها التي أحلَّتْها أحلَّتْهُ تبعًا لها، ولأنَّه جزءٌ مِن أجزائِها، وذكاتُها ذكاةٌ لجميعِ أجزائِها، ولأنَّه لو لم يحلَّ بذكاةِ أمِّه لحرُمَت ذكاتُها معَ ظهورِ الحملِ، كما لا تُقْتَلُ الحاملُ قَوَدًا، يقولُ أبو سعيدٍ الخدريُّ رضي الله عنه سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِ الجنينِ، فقالَ: «كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ؛ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» (١).

أما إذا خرجَ الجنينُ بعدَ تذكيةِ أمِّه وبه حياةٌ مستقرةٌ، فإنَّه يُذكَّى تذكيةً مستقلةً.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَمَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ؛ إِلَّا الشَّعْرَ»؛ أي: ما قُطعَ من حيٍّ فله حكمُ ميتتِه، وذلك مِن حيثُ الأكلُ وعدمُه، ومِن حيثُ الطهارةُ والنجاسةُ، فما قُطعَ منَ السمكِ يؤُكلُ، وهذا لحِلِّ ميتتِه -كما سيأتي إنْ شاءَ اللهُ تعالى- وما قُطعَ مِن إنسانٍ فهو طاهرٌ -أيضًا- لعمومِ قولِه تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ٧٠]، وما قُطعَ مما لا تحلُّ ميتتُه كسنامِ بعيرٍ، أو أليةِ شاةٍ، أو نحوِ ذلك، فحكمُه حكمُ الميتةِ؛ أي: أنَّه نجسٌ، لا يجوزُ أكلُه ولا الانتفاعُ به، ودليلُ ذلك حديثُ أبي واقدٍ الليثيِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لما قَدِمَ المدينةَ وجدَ الناسَ يَجُبُّونَ أسْنِمَةَ الإبلِ، ويقطعون أَلَيَاتِ الغنمِ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: «مَا قُطِعَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ» (٢).


(١) رواه أحمد (١١٢٧٨)، وأبو داود (٢٨٢٧)، وابن ماجه (٣١٩٩).
(٢) رواه أحمد (٢١٩٥٣)، وأبو داود (٢٨٥٨)، والترمذي (١٤٨٠)، والحاكم (٧١٥٠)، وصححه، وأقره الذهبي، وقولُه: «يَجُبُّونَ»؛ أي: يقطعون.

<<  <   >  >>