الخصومِ في المجلسِ كأنْ يُجلسَهما بينَ يديهِ، فلا يجعلُ أحدَهما أقربَ إليه مِن الآخرِ؛ لأنَّ هذا مِنَ العدلِ.
٢ - «وَاللَّفْظِ»، يجبُ على القاضي أنْ يسمعَ مِن جميعِ الخصومِ، فلا يسمعُ كلامَ أحدِهما دونَ الآخرِ.
٣ - «وَاللَّحْظِ»، يجبُ على القاضي أنْ يسوِّيَ بينَ الخصومِ في اللَّحظِ والنظرِ ما استطاعَ إلى ذلك سبيلًا، فلا ينظرُ إلى أحدِ الخَصمينِ ويُقبلُ عليه أكثرَ مِنَ الآخرِ.
قال أبو شجاع رحمه الله:«وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ»؛ أي: الذين يرجعون إليه في حلِّ خصوماتِهم والفصلِ في منازعاتِهم؛ لحديثِ أبي حُميدٍ الساعديِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استَعْملَ عاملًا، فجاءَه العاملُ حينَ فرغَ من عملِه، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، هذا لكم، وهذا أُهْديَ لي، فقالَ له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَفَلَا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لَا؟!»،ثُمَّ قامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَشِيَّةً بعدَ الصلاةِ، فتشهدَ وأثنى على اللهِ بما هو أهلُه، ثُمَّ قالَ:«أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ العَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ، فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ: هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ، فَقَدْ بَلَّغْتُ»(١).
(١) رواه البخاري (٦٢٦٠)، ومسلم (١٨٣٢)، و «استعمل عاملًا»؛ أي: وظَّفه على جمعِ الزكاةِ، و «مِنْ عَمَلِكُمْ»؛ أي: الذي كلفتموني به، و «لَا يَغُلُّ»؛ من الغُلولِ، وهو في الأصلِ: الأخذُ من الغنيمةِ قبلَ قسمتِها، وسُميت هديةُ العامل غلولًا بجامعِ أن كلًّا منهما فيه خيانةٌ وإخلالٌ بالأمانةِ؛ لأنَّ الهديةَ غالبًا ما تحملُ العاملَ على ذلك، ولذلك فهي حرامٌ كالغلولِ، و «رُغَاءٌ»؛ هو صوتُ الإبلِ، و «خُوَارٌ»؛ هو صوتُ البقرِ، و «تَيْعَرُ»؛ هو من اليُعار، وهو صوتُ الغنمِ والمعزِ.