للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان التَّدبيرُ معروفًا في الجاهلية، فأقرَّه الشَّرعُ، وقد دبَّرَ المهاجرونَ والأنصارُ، ودبَّرَتْ عائشةُ رضي الله عنها أمةً لها (١)، وأجمع المسلمون على مشروعيتِه (٢).

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَهُوَ مُدَبَّرٌ يَعْتِقُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ ثُلُثِهِ»، إذا قال السيدُ لعبدِه -مثلًا-: إذا أنا مِتُّ فأنتَ حُرٌّ؛ فهو مدبَّرٌ، يَعتِقُ بعدَ وفاةِ السيدِ من ثلثِ مالِه بعدَ الدَّينِ؛ لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: «الْمُدَبَّرُ مِنَ الثُّلُثِ» (٣).

فإن استغرقَ الدينُ التركةَ لم يَعتِقْ منه شيءٌ، وإن لم يكن دَينٌ ولا مالَ غيرُه عَتِقَ ثُلُثُه؛ لأنَّه تبرُّعٌ معلَّقٌ بالموتِ، فأشبهَ الوصيَّةَ، وهي من الثُّلثِ.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَيَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ»، يجوزُ للسيدِ أنْ يبيعَ المدبرَ في حال حياتِه، ويبطُلُ تدبيرُه، وله -أيضا- التَّصرفُ فيه، كهبتِه، أو جعلِه صَداقًا، أو نحوِ ذلك، يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: أعْتَقَ رجلٌ مِن بنِي عُذْرةَ غُلامًا له عن دُبُرٍ، فاحْتَاج، فأخذَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي»، فاشتراه نُعَيْمُ بنُ عبدِ اللهِ بِثَمَانِمِائةِ درهمٍ، فجاء بها النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم


(١) رواه عبد الرزاق في «المصنف» (١٨٧٤٩)، والحاكم (٧٥١٦)، وقال: «صحيح على شرط الشيخين».
(٢) «كفاية الأخيار» (ص: ٥٧٩).
(٣) رواه الشافعي في «الأم» (٨/ ١٨)، وقال: «والحفاظُ الذين يحدثونه يَقفونه على ابنِ عمرَ، ولا أعلمُ مَن أدركت من المفتين اختلفوا في أنَّ المدبَّرَ وصيةٌ من الثُّلثِ».

<<  <   >  >>