للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثَّاني: أنْ ينويَ الإقامةَ أقلَّ من أربعةِ أيَّامٍ غيرَ يومَيِ الدُّخولِ والخروجِ؛ فله أنْ يَقْصُرَ ويَجْمَعَ، فإذا اضْطُرَّ إلى تمديدِ إقامتِه أكثرَ من ذلك، فينقطعُ سَفَرُه بمضيِّ اليومِ الثَّالثِ؛ فلا يجوزُ له القصرُ والجمعُ بعدَ ذلك.

ودليلُ التَّحديدِ بثلاثةِ أيَّامٍ؛ حديثُ العلاءِ بنِ الحَضْرميِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا»، كأنَّه يقولُ لا يَزيدُ عليها (١).

وقد نَهى عُمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه عن مُكْثِ تجَّارِ اليهودِ والنصارى بالمدينةِ فوقَ ثلاثٍ (٢).

قال الشَّافعيُّ رحمه الله: «فأَشْبَهَ ما قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: من مُقامِ المهاجِرِ ثلاثًا حَدُّ مُقامِ السَّفرِ، وما جاوَزَه كانَ مُقامَ الإقامةِ، وليس يُحْسَبُ اليومُ الَّذي كان فيه سائرًا ثمَّ قَدِمَ، ولا اليومُ الَّذي كانَ فيه مُقِيمًا ثم سارَ، وأَجْلَى عمرُ رضي الله عنه أهلَ الذِّمَّةِ من الحجازِ وضربَ لمن يَقْدَمُ منهم تاجرًا مُقامَ ثلاثٍ، فأَشْبَهَ ما وصَفْتُ مِنَ السُّنَّةِ، وأقامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى ثلاثًا يَقْصُرُ، وقَدِمَ في حَجَّتِهِ فأقامَ ثلاثًا قبْلَ مَسِيرِه إلى عَرَفَةَ يَقْصُرُ، ولم يَحْسِبِ اليومَ الَّذي قَدِمَ فيه مكَّةَ؛


(١) رواه البخاري (٣٧١٨)، ومسلم (١٣٥٢)، قال ابنُ حَجَرٍ في «فتحِ الباري» (٧/ ٢٦٧): «وفِقْهُ هذا الحديثِ أنَّ الإقامةَ بمكَّةَ كانت حرامًا على من هاجر منها قبلَ الفتحِ، لكنْ أُبِيحَ لمن قَصَدَهَا منهم بحجٍّ أو عمرةٍ أنْ يُقيمَ بعدَ قضاءِ نُسُكِه ثلاثةَ أيَّامٍ لا يَزيدُ عليها ... ويُستنبَطُ من ذلك أنَّ إقامةَ ثلاثةِ أيَّامٍ لا تُخْرِجُ صاحبَها عن حُكمِ المسافرِ».
(٢) رواه ابنُ أبي شيبةَ في «المصنَّف» (٣٢٩٩٢).

<<  <   >  >>