للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرأ عاصم {بُشْراً} بالباء وإسكان الشين جعلها جمع بشور، أي:

تبشّر بالمطر من قوله تعالى: {الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ} (١) .

ويجوز فى النحو وجهان، ولم يقرأ بهما أحد بشرى، وبشرى مثل حبلى، وبشرى بمعنى البشارة بين يدى رحمته. والرحمة هاهنا: المطر. وسمّى المطر رحمة، لأنّ الله يرحم به عباده، كما سمّيت الجنّة رحمة، إذ كانوا يدخلونها برحمته، وذلك حيث يقول: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} (٢) وإلى ذلك وجّه الفرّاء قوله تعالى: {إِنَّ /رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ} (٣) [٥٦] ولم يقل قريبة إذ كانت الرّحمة يعنى بها: المطر هاهنا.

وقال آخرون: {قَرِيبٌ} صفة لمكان أي: إن رحمة الله مكان قريب، كقوله: {وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ} (٤) أي زمان قريب.

وقال آخرون: لمّا كانت الرّحمة تأنيثها غير جائز جاز تذكيره، وقد بيّنا نحو ذلك فيما سلف من الكتاب.

[وقال آخرون]: إنما ذكّرت الرّحمة، لأنّك إنما عنيت بها الغفران، وإلى هذا ذهب محمد بن القاسم الأنبارى رحمه الله. وقال النّحويون: إن قريبا منك الماء وإن بعيد (٥) منك الماء فيرفعون مع البعيد وينصبون مع القريب.


(١) سورة الروم: آية: ٤٦.
(٢) سورة آل عمران: آية: ١٠٧.
(٣) معانى القرآن: ١/ ٣٨٠.
وقد خصّ هذه الآية جمع من العلماء بالتأليف منهم ابن مالك صاحب الألفية وابن هشام وابن الصائغ الحنفى ... وغيرهم.
(٤) سورة الشورى: آية: ١٧.
(٥) فى الأصل: «بعيدا».