للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمّا التوبة والندم وترك الإصرار فيمحو ما سلف من الذّنب حتى لا يكتب البتة، فإن كتب محي، لأنّ الله تعالى قال: {إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} (١) فأمّا قول الرّسول صلّى الله عليه وسلم: «فرغ ربّكم ممّا هو كائن» (٢) .

إن قال قائل: كيف ينسخ ما قد فرغ منه؟

فالجواب فى ذلك: إن معناه: إنّ الله تعالى فرغ منه علما، وعلم الله لا يوجب ثوابا ولا عقابا، وإنما يجب ذلك بالعمل، فإذا كتب الملك ثم تاب العبد فمحاه الله قبل ظهور عمل العبد، لأنّ علمه به قبل ظهوره كعلمه بعد ظهوره.

وقيل فى قوله تعالى: {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ} يعنى به الناسخ والمنسوخ (٣) /قال أبو عبيد. يقال محا يمحو ومحى يمحى بمعنى، فأما محّ الثّوب وأمحّ فمعناه: بلى (٤) .

وأخبرنا ابن دريد عن أبى حاتم عن الأصمعى قال: سمعت أعرابيّا يقول: إيّاك ومسألة النّاس فإن المسألة تمحّ الوجه أى: تحلق الشّعر، قال الشّاعر:

ربع دار محّه الإقواء ... وعفته الأرواح والأنواء

كرّ فيه البلى فأخلق برد ... يه صباح يعتاده ومساء


(١) سورة هود: آية: ١١٤.
(٢) لم أجده بهذا اللفظ، وفى الترمذى: ٤/ ٤٤٩ (٢١٤١) «فرغ ربكم من العباد ... ».
وفى الأسماء والصفات للبيهقى: ٢/ ١١٥: «فرع الله عزّ وجلّ من المقادير ... ».
(٣) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٢٢٨، وتفسير الطبرى: ١٣/ ١١٤ ومعانى القرآن وإعرابه للزجاج: ٣/ ١٥٠.
(٤) النهاية: ٤/ ٣٠١ واللسان: (محح).