للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالقوم ــ وفيهم نبي الله زكريا عليه السلام ــ اختصموا في كفالة مريم، ففزعوا إلى القرعة، وظاهرٌ أنهم إنما يرضون بالقرعة عند تساويهم في أصل الاستحقاق واقتضاء مصلحة الطفلة أن يختص بكفالتها أحدهم. فقص الله تبارك وتعالى ذلك في كتابه، وأخبر أنه كفَّلها زكريا، أي ــ والله أعلم ــ بأن أخرج سهمه في القرعة، فكان هو القارع.

وقال عز وجل في قصة يونس: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: ١٤٠ - ١٤٢] ذهب يونس إلى فلك مشحون ــ أي مُوقَر ــ ليركب فيه، فكأنه ــ والله أعلم ــ طلع إلى الفلك هو وجماعةٌ حاجتهم كحاجته، فكأن صاحب الفلك أخبرهم أنه لا يمكنه أن يسافر بهم جميعًا لأن فلكه مشحون أي موقر، وطلب إليهم أن ينزل بعضهم، فتشاحُّوا، فاقترعوا، فطلع سهم يونس في المدحضَين، أي في الذين خرجت القرعة بأن ينزلوا. والظاهر أن الفلك كان لا يزال بالمرفأ، وليس في النزول منه خطر ظاهر، لكن الله عز وجل قضى على يونس بما قضى.

وفي «الصحيحين» (١) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ... ». وفي «صحيح مسلم» (٢) من حديثه أيضًا مرفوعًا: «لو تعلمون ــ أو يعلمون ــ ما في الصف المقدَّم لكانت قرعةً». أي أنهم يحضرون معًا، ويكثُرون


(١) البخاري (٦١٥، ٦٥٣) ومسلم (٤٣٧).
(٢) رقم (٤٣٩).