للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في هذا الحديث الثناء على إبراهيم؟ فبيَّن أنه لم يقع منه كذب إلا تلك الثلاث، ثم قال: "ثنتين منهن في ذات الله عز وجل: قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: ٨٩] وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: ٦٣]، وقال: بينا هو ذات يوم وسارة (يعني امرأته) إذ أتى على جبَّار من الجبابرة ... ".

فإن قيل: قد يكون الكلام من تأكيد المدح بما يشبه الذم، كقول النابغة (١):

ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهم ... بهن فلولٌ من قِراع الكتائب

قلت: إنما يحسن مثل هذا حيث يكون المستثنى واضح الخروج من المستثنى منه، وليس الأمر هاهنا كذلك. وقد سمَّاها في الحديث الآخر "خطايا"، ونظَمها في سلك أكلِ آدم من الشجرة وقتلِ موسى للنفس. وحكَمَ إبراهيم بأنها تقصر به عن مقام الشفاعة، وتقتضي (٢) استحياءَه من ربه لأجلها. وبالجملة فالجواب عن تلك الكلمات بأنها ليست بكذب كما ترى.

وثَمَّ جوابٌ آخر، وهو أن تلك الكلمات وقعت من إبراهيم عليه السلام قبل نبوته، كما أن قتل موسى للنفس كذلك، فقد قصَّ الله تعالى عنه أنه ذُكّر بتلك الفعلة فقال: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: ٢٠ - ٢١].

وقريب من ذلك حال آدم، فإنَّ أكلَه من الشجرة كان في الجنة قبل النبوة المعتادة.


(١) "ديوانه" (ص ٤٤).
(٢) ط: "وتتقضى". ولعله خطأ مطبعي.