وقد قال الله تعالى في القصة التي ذكر فيها قول إبراهيم:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء: ٦٣]. وهي إحدى الكلمات:{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء: ٥٩ - ٦٣].
[٢/ ٢٥٠] والكلمة الثانية وهي قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات: ٨٩]، كانت قبل ذلك.
فأما الثالثة، وهي قوله:"هي أختي"، فالظاهر ــ والله أعلم ــ أنها بعد ذلك، لكن في سياق القصة ما قد يُشعر بأنها كانت قبل النبوة.
فإطلاقهم عليه "فتى" ظاهر في أنه يومئذ لم يبلغ أربعين سنة، فإن الفتى هو الشاب الحدث كما في "المصباح"(١)، وقد صرَّح كثير من أهل العلم أن الأنبياء إنما نُبِّئوا بعد بلوغ كلٍّ منهم أربعين سنة، كما وقع لنبينا عليه الصلاة والسلام. وجزم به القاضي أبو بكر ابن العربي وآخرون، وتأولوا ما في قصتي يحيى وعيسى، وقال قوم: إن ذلك هو الغالب.
فإن قيل: فإن اثنتين من تلك الكلمات وقعتا في صدد دعوته قومه إلى التوحيد، والثالثة يظهر أنها بعد ذلك، فكيف يدعو قبل النبوة؟
قلت: قد كان هداه الله تعالى من صباه بتوجيه نظره إلى الآيات الكونية، قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} ثم ذكر القمر والشمس: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا