بالقتل بأنهم أرادوا بذاك الخبر خلاف ظاهره، فقيل لهم: فهلَّا نصبتم قرينة؟ فقالوا: كان الرجل حال خبرنا حيًّا صحيحًا سالمًا، وكفى بذلك قرينة. فهل يقبل منهم هذا العذر؟ أوَلا يردُّه عليهم العقلاءُ قائلين: ذاك لو كانت حياته وصحته وسلامته بحيث يدركها المخاطبون ــ وهم أهله ــ عند إخباركم لهم. فأما وهم لا يعلمون ذلك ولا يدركونه لبعده عنهم بمراحل كثيرة، فليس هذا بقرينة؛ إذ [٢/ ٢٦٦] ليس من شأن العلم به أن يقترن عند المخاطب بالخطاب، فيصرفَه عن فهم الظاهر (١).
وأما تلك الإشارات، ففي المقصد الثالث أنها ليست بالبينة، فإذًا لا تصلح أن تكون صارفة عن معاني النصوص الكثيرة الظاهرة أو الصريحة الموافقة لعقول المخاطبين. بل يكون الأمر بالعكس، وهو أن عقولهم وتلك النصوص الكثيرة تَصْرف عما قد يظهر من تلك الإشارات. فإن كنت تزعم أن تلك الإشارات صريحة، فنؤجل الكلام إلى المقصد الثالث.
المتكلم: إنما يصح الأخذ بظاهر الخبر إذا عُلِمَ أن ذلك الأمر المخبَر بوقوعه غيرُ ممتنع عقلًا، فأما إذا احتمل أن يكون ممتنعًا عقلًا فإنه يجب التوقف، ويكون هذا الاحتمال قرينةً تُدافع ظاهر الخبر، فتوجب التوقف فيه.
الناقد: في المقصد الرابع أن معاني تلك النصوص كانت موافقة لعقول المخاطبين، فإن سلَّمتَ ذلك سقط كلامك هنا؛ لثبوت أنها لم تكن عندهم
(١) وفي «صحيح مسلم» [١٦٥٣] وغيره حديث «يمينُك على ما يصدِّقك به صاحبُك». وهذا صريح في أن إضمار المتكلم في نفسه معنى غيرَ المعنى الذي حقُّه أن يفهمه المخاطبُ لا يغني عن المتكلم شيئًا، إذا كان المعنى الذي حقُّه أن يفهمه المخاطبُ غير واقع. [المؤلف].