قوله:«وإن لم يعلم موافقة العقل للخبر ولا مخالفته له ... ».
أقول: أما العقل الصريح الواضح الجلي الذي يصلح أن يكون قرينةً، فلا يمكن أن لا يعلم. فإن جاز أن يذهل عنه بعضُ المخاطبين الأولين لم يلبث أن ينبِّهه غيرُه. فإذا لم يعلم ما يكون قرينةً كان النص نفسه برهانًا على صحة ما دل عليه، وعلى عدم المخالف الصحيح. ولا يبقى إلا احتمالُ أن يوحي الشياطين إلى بعض أوليائهم شبهةً مبنيةً على النظر المتعمَّق فيه، وقد قال الله عز وجل:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام: ١٢١].
قوله:«فإن قيل: إن الله سبحانه لما أسمع المكلَّف ... ».
أقول: هذا كله مغالطة، فإن النصوص المتعلقة بذات الله تعالى وصفاته لم تقتصر في الدلالة على تلك المعاني على إشعار الظاهر، بل فيها المحقَّق المؤكَّد، والصريح الواضح، والظاهر [٢/ ٣١٧] البيِّن؛ ولم يكن معها معارضًا لها قرينةٌ صحيحةٌ من شأنها أن لا تخفى على المخاطبين الأولين. فعلى فرض بطلان تلك المعاني أو بعضها لا يكون اللازم التلبيس فقط، بل تكون كذبًا صريحًا. وبطلان هذا اللازم لا يتوقف على القول بأنه يجب على الله تعالى شيء، ولا على القول بالحسن والقبح العقليين، وإنما يتوقف على امتناع أن يكذب الله عز وجل أو يكذب رسوله. والأشاعرة ومنهم الرازي يعترفون بهذا الامتناع، ويكفِّرون من لا يقول به. غاية الأمر أنهم زعموا أن العقل لا يمنع أن يكذب الله سبحانه أو أن لا يكذب، ولكن الرسول أخبر بأن الله تعالى لا يكذب، وقد ثبت صدقُ الرسول بظهور المعجزة على يده. قالوا: ودلالة المعجزة على صدقه دلالة عادية ــ على ما مرَّ بيانه في الباب الثاني ــ والدلالة