أُخبِرتُ أنه كان في هذه البلدة امرأة من نساء كبار الأمراء، وكان لها ولدٌ يعارضها ويمانعها عما تريد، واشتدت مضايقته لها، حتى عمدت إلى جماعة أعدَّتْهم لمجالسة ولدها وصحبته وأن يتعمَّدوا مخالفته وإظهارَ التعجب منه في أشياء كثيرة. كانوا يقولون في الحُلْو: إنه حامض، وفي الأصفر: إنه أحمر، ونحو ذلك. ففعلوا ذلك وألحُّوا فيه حتى تشكك الولد وجُنَّ!
وأُخبرت أنه كان لرجل من كبار الوزراء ابنٌ وابن أخ أو قريب آخر، وكان القريب عاقلًا ذكيًّا فطنًا مهذبًا نبيل الأخلاق، وكان الابن دون ذلك. فخاف الوزير أن يموت، فيتولى الوزارةَ قريبُه دون ابنه، فأعدَّ جماعةً لمجالسة قريبه، وأمرهم بمخالفته وتشكيكه. ففعلوا ذلك حتى جُنَّ المسكين.
[٢/ ٣٥٩] رابعًا: قوله: «حتى تكاد تجزم بنفي ما ليس في الجهة». والحق الواضح أنها تجزم بذلك كلَّ الجزم، إلا أن يُبتلى بعضُها بالتشكك، كما مرَّ.
خامسًا: قوله: «مع تنبيهات دقيقة». إن أراد بالتنبيهات قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١] ونحوها فقد تقدم الجواب. وإن أراد الدلائل على وجوب الوجود والغنى، فقد تقدَّم الكلامُ فيها. وعلى كل حال، فليس في العقول الفطرية ولا النصوص الشرعية ما يصح أن يُعَدَّ قرينةً صارفة للنصوص عن المعاني التي زعم التفتازاني أنها مناقضة للدين الحق، فقد لزمه ونظراءه لزومًا واضحًا تكذيبُ النصوص ولابد.
وقد حكى بعضُ المحشِّين على «المواقف» عبارة التفتازاني المذكورة، ثم تعقبَّها بقوله: «فيه فتحُ بابِ الباطنية، لأنه كما جاز إظهارُ الباطل حقًّا في