آيات كثيرة وتقريرُه في عقول عامة المسلمين لقصور دركهم جاز مثلُه في سائر الأحكام كخلود العذاب الجسماني والجنة الجسمانية والصراط الأدقِّ من الشعر، لأن الصرف عن الظاهر لا يتوقف على استحالته، بل الاستبعادُ كافٍ، نحو رأيت الأسد في الحمام. فالحق أن تأويل تلك الآي بظهور المجرد في صورة الجسماني».
أقول: حاصل هذا التعقب موضَّحًا أن الاستحالة المزعومة لم تكن تدركها عقول المخاطبين، فلا يصح عدُّها قرينةً تدفع الكذب. فإن زعمتم أنه اقتضت المصلحةُ التسامحَ في هذا، والاكتفاءَ بجواز الكذب من الله ورسله، والتكذيب منكم بأن هناك ما لو علمه المخاطبون لكان قرينةً، وهو الاستحالة العقلية= كان للباطنية أن يعتذروا بنحو عذركم عن تأويلاتهم لغالب العقائد والأحكام متشبِّثين بدعوى الاستبعاد، كما تشبثتم بدعوى الاستحالة. والحاصل أنكم تشبثتم باقتضاء المصلحة ودعوى وجود ما لو علمه المخاطبون لكان قرينة، وهذه حال الباطنية أيضًا.
ثم أقول: الاستحالة مدفوعة، وكثير من النصوص صريح لا يحتمل غير ذاك المعنى الذي [٢/ ٣٦٠] ينكره المتعمقون. والكلام الذي يحتمل غير الظاهر احتمالًا قريبًا لا يُصرف عن ظاهره إلا بقرينة، ومن شرط القرينة أن يكون من شأنها أن لا تخفى على المخاطب. فإن لم يحتمل غيرَ ظاهره أو احتمله ولا قرينةَ، فزعمُ أن ظاهره باطل تكذيبٌ له ولابد. ومعلوم من الدين بالضرورة استحالةُ أن يقع كذب من الله تعالى أو من رسوله فيما يخبر به عنه، والله تعالى أجلُّ وأعظمُ من أن يكذب لمصلحة، والمصلحة المزعومة قد مرَّ إبطالها في الباب الثالث، ومرَّ هناك ما يكفي ويشفي.