وسمع منه. وذلك أن والد ابن دوست كان من أهل العلم والصلاح والرواية والثقة. ترجمته في «تاريخ بغداد»(ج ٣ ص ٤٠٩)، ووفاته سنة ٣٨١، ومولد أحمد سنة ٣٢٣. فقد وُلد له في شبابه، فكأنه اعتنى به، فبكَّر به للسماع، وقيَّد سَماعه وضَبطه له على عادة أهل العلم في ذاك العصر، وقد صحَّح المحدِّثون سماع الصغير المميِّز. وأما الأزهري، فتمام عبارته:« ... وكان يذكر أن أصوله العُتُق غرقت، فاستدرك نسخها»، فالتضعيف مفسَّر بما بعده.
واعلم أن المتقدمين كانوا يعتمدون على الحفظ، فكان النقَّاد يعتمدون في النقد عدالةَ الراوي واستقامةَ حديثه، فمن ظهرت عدالته وكان [٢٠١] حديثه مستقيمًا وثَّقوه. ثم صاروا يعتمدون الكتابة عند السماع، فكان النقاد إذا استنكروا شيئًا من حديث الراوي طالبوه بالأصل. ثم بالغوا في الاعتماد على الكتابة وتقييد السماع فشدَّد النقاد، فكان أكثرهم لا يسمعون من الشيخ حتى يشاهدوا أصله القديم الموثوقَ به المقيَّدَ سماعُه فيه، فإذا لم يكن للشيخ أصل لم يعتمدوا عليه، وربما صرَّح بعضهم بتضعيفه. فإذا ادعى السماع ممن يستبعدون سماعه منه كان الأمر أشد. ولا ريب أنَّ في هذه الحال الثالثة احتياطًا بالغًا، لكن إذا عُرِفت عدالة الرجل وضبطه وصدقه في كلامه، وادعى سماعًا محتملًا ممكنًا، ولم يُبرِز به أصلًا، واعتذر بعذر محتمل قريب، ولم يأت بما ينكَر= فبأيّ حجَّة يُرَدُّ خبرُه؟
وقد قال الخطيب: «حدثني أبو عبد الله الصوري قال: قال لي حمزة بن محمد بن طاهر: قلت لخالي أبي عبد الله بن دوست: أراك تملي المجالس من حفظك، فلم لا تملي من كتابك؟ فقال لي: انظر فيما أمليه، فإن كان لك فيه زلل أو خطأ لم أُمْلِ من حفظي. وإن كان جميعه صوابًا، فما الحاجة إلى