فيظهر أن والده لم يكتف بتسميعه، بل اعتنى بتحفيظه ما سمع. فإذا كانت أصوله بعد حِفْظه ما فيها غرقت فابتلَّتْ، وخِيفَ تقطُّعُ الورق، وبقيت الكتابة تُقرأ، فاستنسخ منها، أو ذهبت فنسخ من حفظه، أو من كتبٍ قد كانت قوبلت على أصوله، أو لم تُقابَل ولكنه اعتبرها بحفظه= فأيُّ حرج في ذلك؟ وإذ كان اعتماده على حفظه، فهَبْ أنه لم يكن له أصول البتة، أو كانت فتلِفَتْ، ولم يستدرك نسخها= ألا يكون له أن يروي من حفظه؟ أوَ لا تقوم الحجة بخبره إذا كان عدلًا ضابطًا؟
وأما قضية التتريب، فهي في عبارة للبرقاني. قال الخطيب:«سألت أبا بكر البرقاني عن ابن دوست؟ فقال: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلَّموا فيه. وقيل: إنه كان يكتب الأجزاء، ويُترِّبها لِيُظَنَّ أنها عُتُق». فقوله:«قيل: ... » لا يُدرَى من القائل؟ وعلى فرض صحة ذلك، فهو تدليس خفيف أراد به دفعَ تعنُّتِ بعض الطلبة. وكان إذا سئل يبيِّن الواقع، كما في بقية عبارة الأزهري التي تركها الأستاذ. وأما قول البرقاني:«تكلموا فيه» وما في الترجمة أن الدارقطني تكلم فيه، فمحمول على ما صرَّحوا به مما مرَّ، ومرَّ ما فيه.
وبعد، فقد وصفوا ابن دوست بالحفظ والمعرفة. قال الخطيب: «كان مكثرًا من الحديث، [١/ ٢٠٢] عارفًا به، حافظًا له. مكث مدةً يملي في جامع المنصور بعد وفاة أبي طاهر المخلِّص، ثم انقطع عن الخروج، ولزم بيته. كتب عنه الحسن بن محمد الخلَّال، وحمزة بن محمد بن طاهر الدقَّاق، وأبو القاسم الأزهري، وهبة الله بن الحسن (١) الطبري، وعامة أصحابنا،