[المال بين فطرة الإنسان بالشح فيه ووجوب إنفاقه في وجوهه]
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم والقسوة، والغفلة والعيلة، والذلة والمسكنة، ونعوذ بك يا ربنا! من الفقر والكفر والفسوق، والشقاق والنفاق، والسمعة والرياء، اللهم إنا نعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول.
وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
أما بعد: فمع المحاضرة العاشرة من المحاضرات المتعلقة بقضية فلسطين، وذكرنا في المحاضرات السابقة وسيلتين هامتين في نصرة القضية الفلسطينية، ذكرنا وسيلة تصحيح المفاهيم، وذكرنا وسيلة قتل الهزيمة النفسية والإحباط عند المسلمين، وكلامنا السابق وإن كان ظاهره كلاماً إلا أنه ينطوي عليه عمل كبير، فالمخطئ في فهم القضية لا يعمل لها، أو قد يعمل بطريقة تؤخّرها وتعطّلها، أو على أكثر تقدير فإنه قد يعالج جزئيات ويترك جزئيات أهم، ثم هو إن فهمها بطريقة صحيحة سليمة، لكن أصيب بداء الإحباط وهو داء قاتل ومرض عضال فإنه لن يتحرك، ويصبح كالفلاسفة في كل وادٍ يهيمون، يقولون ما لا يفعلون، يقبلون بالتنظير والتفكير، فإذا جاءوا إلى ميدان العمل ظهر فشلهم وبطلت نظرياتهم، والمسلم ليس كذلك، فهم القضية لا بد أن يتبع بتحريك لها، ستسألون عن علمكم والله، ستسألون عن علمكم.
روى الترمذي والطبراني رحمهما الله: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه).
ففهم قضية فلسطين لا بد كما ذكرنا أن يتبع بتحريك لها وبتفهيم لمن حولك، وبحركة دءوبة لا سكون فيها، وبتعب وكد لا راحة فيهما، وكذلك قتل الهزيمة النفسية، إن كنت قد تشبعت بالأمل، وتمكن اليقين بالنصر من قلبك، وسرت روح العزيمة في كل أوصالك؛ فانقل هذا إلى غيرك، وابعث الأمل في نفوس اليائسين، ومد يدك إليهم، وحرك عزائمهم، وكن لهم شعلة لا تنطفئ، وشجرة لا تذبل، ونهراً عذباً سلسبيلاً لا يتوقف عن السريان، بذاك يتحول الفهم والأمل إلى حركة وعمل.
إن كلماتنا تظل صوراً باهتة وأجساداً هامدة لا حراك فيها، حتى إذا عملنا من أجلها ومتنا في سبيلها دبت فيها الحياة، فصارت كياناً هائلاً متحركاً يصلح ما أفسده الناس، ويبني ما هدمه الناس، ويعمّر ما دمّره الناس؛ بذاك يصبح الفهم والأمل سلاحين ماضيين نافذين يحملهما المؤمن في حياته وإلى أن يموت، بل إنه والله لا يموت، فإذا كان الجسد قد كتبت عليه الوفاة فإن الفكرة قد تعيش إلى يوم القيامة، يجني المؤمن من ثوابها وفضلها وخيرها وهو هناك راقد في قبره.
روى الإمام مسلم رحمه الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فإذا أدركت أن الفهم والأمل وسيلتان ناجحتان ناجعتان في حل قضية فلسطين، وحل قضايا المسلمين قاطبة، فهاك وسيلة ثالثة ناجعة ناجحة أيضاً ستصلح حالهم، وتصلح حالك قبلهم، وستسعد قلوبهم، وتسعد قلبك معهم، تعالوا ندخل الأرض المقدسة التي كتب الله لنا، نأخذ لقطات من هناك، وأترك لفطنتكم وحصافتكم تحديد اسم الوسيلة الثالثة.
اللقطة الأولى: رجل يعول عشرة يعمل خارج مدينته، يخرج كل يوم إلى عمله فإذا بالمعابر مغلقة، والمدينة محاصرة، فيعود إلى أهله خالي الوفاض.
اللقطة الثانية: شيخ يملك متجراً لا يستطيع أن يفتحه إلا قليلاً، فالحالة الأمنية حرجة جداً، أبناء يهود يعيثون في الأرض فساداً، وإن فتحه يوماً ما اشترى منه إلا القليل، فالمال قد قل في الأيدي، والفقر قد عم الأرض.
اللقطة الثالثة: خمس عائلات بالأمس قصف منزلهم وبدد متاعهم وضاعت أملاكهم، وهم يبحثون عن مأوى، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.
اللقطة الرابعة: عائلة مكونة من أب يتجاوز الستين، وتسعة أبناء أكبرهم في السادسة والعشرين، الأب لا يعمل، والابن يعول، خرج الابن في مسيرة غاضبة يحمل حجراً يواجه يهود، فإذا به يتلقى رصاصة في صدره فيلقى ربه، وتفقد العائلة عائلها.
وهاك لقطة خامسة: رجال من أمتنا مجاهدون صابرون، باعوا أرواحهم لله واشتروا الجنة، يريدون سلاحاً أقوى من الحجر، لكن في هذه الظروف ارتفع ثمن السلاح وقلت مصادره، وقد لا يشتري إلا من يهودي بأضعاف أضعاف ثمنه