ثالثاً: أمر جديد خطير بعد معاهدة الشريف حسين مع مكماهون، وكانت قد أثبتت هذه المعاهدة أن الإنجليز يتعاملون بدهاء شديد مع المسلمين، ويضربون على أوتار حساسة، بينما المسلمون غافلون عن أسباب قوتهم، لكن الإنجليز أثبتوا أنهم لا يتمتعون فقط بقدر عظيم من الدهاء، بل يتمتعون أيضاً بقدر أكبر من الخسة والنذالة والكذب والخداع، فبعد هذه الاتفاقية المشبوهة مع الشريف وبعد تحرك الجيوش العربية لضرب الجيوش العثمانية المسلمة، فعل الإنجليز فعلاً آخر أشد وأبشع ما هو؟ هذا الشيء يعرف في التاريخ باسم معاهدة سايكس بيكو المشهورة سنة (١٩١٦) م، بعد شهور قليلة من معاهدة الشريف حسين مع مكماهون تمت معاهدة سايكس بيكو في بطرسبرج بروسيا بين إنجلترا وفرنسا، مثل فيها إنجلترا مارك سايكس المندوب الثاني لشئون الشرق الأدنى، ومثل فيها فرنسا جورج بيكو قنصل فرنسا السابق في بيروت، واتفق الطرفان على تقسيم أملاك الخلافة العثمانية بينهما بعد أن يتم النصر عليها.
فاتفقوا على أن تفرض إنجلترا حمايتها واحتلالها على العراق والأردن، وتفرض فرنسا حمايتها واحتلالها على سوريا ولبنان، بينما تصبح لفلسطين إدارة دولية باستشارة روسيا.
وهكذا قسم الإنجليز والفرنسيون البلاد التي وعدت إنجلترا بإعطائها الشريف حسين.
كانت معاهدة سايكس بيكو سرية غير معلنة، لكن روسيا سربت أخبارها، ولما وصلت الأخبار إلى الشريف حسين انزعج بشدة، وتحدث مع الإنجليز فقالوا له بمنتهى الثقة: لن يحدث شيء من هذا، ونحن على وعدنا معك، فما كان منه إلا أن اطمأن واستراح، إذ كيف يمكن أن يتخيل أن تخونه الدولة الصديقة إنجلترا؟ ونسي قول الله سبحانه وتعالى:{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[البقرة:١٠٠].