للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تاريخ إنشاء دولة إسرائيل المزعومة]

تعالوا نرى تاريخ إنشاء دولة إسرائيل المزعومة، تعالوا أريكم العجب العجاب، تعالوا نرى كيف أن رجلاً يتبعه بعض الرجال أفلح في سنوات معدودات أن يغير من تاريخ المنطقة، بل ويغير من تاريخ العالم، هذا الرجل كما ذكرناه من قبل في أول المحاضرة هو تيودور هرتزل أول زعماء الصهيونية الذين سعوا إلى تكوين دولة في داخل أرض فلسطين.

من هو تيودور هرتزل؟ هو يهودي مجري يعمل في صحيفة في النمسا من مواليد سنة ١٨٦٠م، ففي سنة ١٨٩٥م -كان عمره حينها ٣٥ سنة- ألّف كتاباً سمّاه: كتاب الدولة اليهودية، وفي هذا الكتاب طرح فكرة إنشاء دولة لليهود في العالم، وكان اليهود في ذلك الزمن مشتتين في كل بقاع الأرض، يهود في روسيا، في انجلترا، في فرنسا، في ألمانيا، في شرق أوروبا، في الحبشة، في أمريكا، في البلاد العربية، في أماكن كثيرة جداً مشتتون تماماً، ويعاملون باضطهاد ملحوظ في معظم بلاد العالم، إلا في الدولة العثمانية، فإنهم لم يجدوا أماناً إلا في دولة المسلمين، لكن هناك معاناة ضخمة جداً في كل بقاع الأرض لليهود.

ومعلوم أن كل الناس في الأرض يكرهون اليهود كراهية غريبة جداً متأصلة في قلوبهم وهذا من أفعالهم، فقد كتب الله عليهم الذلة والمسكنة، فهم يحاولون أن يتذللوا للناس ويتمسكنوا لهم حتى يمكن لهم في الأرض، فإن مكن لهم في مكان أذاقوا الناس الويلات وقاموا بالمؤامرات والمكائد، وخططوا لأشياء كثيرة في الخفاء، هذه الأشياء جعلت الكراهية لهم تدب في قلوب الجميع، حتى الأمريكان الذين هم أكثر الناس مساعدة لليهود، لو أخذت أمريكياً وكلمته في قضية اليهود، فإذا اطمأن أنه لا يسمع حديثه أحد فإنه سيبدأ يتحدث عن اليهود حديثاً غريباً جداً مما يجعلك تظن أنه ليس أمريكياً، يسب ويلعن كل ما هو يهودي، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:١١٣]، فالنصارى يعتقدون اعتقاداً جازماً -وهذا الاعتقاد بالطبع خاطئ- أن اليهود قتلوا المسيح، قال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:١٥٧]، لكن الحق أن اليهود حاولوا أن يقتلوا المسيح عليه السلام، ولكن الله رفعه، فهناك كراهية شديدة جداً في قلوب المسيحيين لليهود، وتاريخ المسيحيين مليء بكثير جداً من الكراهية لليهود، وكثير جداً من الخلافات والثورات من اليهود على المسيحيين، ومن المسيحيين على اليهود، لكن اجتماع المصالح كما سيأتي جمع بينهم في هذه الآونة بين الأمريكان واليهود.

تيودور هرتزل لما وجد هذا التشتت وهذا الاضطراب والضياع في اليهود فكر في إنشاء دولة يهودية، لكنه كان محتاراً في أي مكان من الأرض ينشئ هذه الدولة، فبدأ تيودور هرتزل يفكر في الأماكن المتاحة التي من الممكن أن ينشئ فيها هذه الدولة، فكر في أماكن كثيرة وأحد هذه الأماكن كان فلسطين، لكن كان هناك خيارات كثيرة أخرى مطروحة، وانظروا إلى فعل هذا الرجل، فإني ذكرت هذا المثال لكي يتعلم المسلمون كيف يتحركون لقضيتهم، هذا الرجل كان علمانياً أصلاً، أي: ليس يهودياً ولا يؤمن بهذه اليهودية، كل ما يريد هو تكوين دولة علمانية صهيونية سياسية لليهود، لكن ليس له ارتباط وثيق بالتوراة كما سيأتي، هذا الرجل بذل مجهوداً يعجز عن بذله كثير من المسلمين مع أنهم يرجون جنة ويخافون ناراً، وهو لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً، فقد فكر على سبيل المثال في ليبيا، وكانت ليبيا في ذلك الوقت منفصلة عن الدولة العثمانية، وهي أقرب البلاد إلى إيطاليا، إذ إن إيطاليا في شمال ليبيا بعد البحر الأبيض المتوسط، فذهب تيودور هرتزل من النمسا إلى إيطاليا، وقابل ملك إيطاليا هناك، وطلب منه أن يساعده في تكوين دولة يهودية في أرض ليبيا، على أن يمنح بعد ذلك تسهيلات كثيرة للإيطاليين في أرض ليبيا كما يريد، لكن ملك إيطاليا فكر في الموضوع ورفض، ولم يدرك تيودور هرتزل في ذلك الوقت أن لإيطاليا أطماعاً كثيرة في ليبيا، فإنه بعد ذلك بسنوات أتت إيطاليا واحتلت ليبيا في سنة ١٩١١م كما تعلمون.

لم ييأس تيودور هرتزل ففكر في موزمبيق، وانظروا إلى أي حد تفكيره، كان تفكيره في أشياء بعيدة جداً عن أرض فلسطين، المهم مكان يضم اليهود ويجعل لهم دولة، وكانت موزمبيق في ذلك الوقت مستعمرة برتغالية، فذهب إلى ملك البرتغال، وطلب منه أن يساعده في إنشاء دولة يهودية في موزمبيق، وكان ملك البرتغال قد اضمحل ملكه في العالم، وكانت مملكة البرتغال في يوم من الأيام لها مستعمرات كثيرة جداً في كل أراضي العالم، ولم يبق لها إلا مستعمرات قليلة، منها موزمبيق وبعض المستعمرات في أمريكا الجنوبية، فرفض وقال له: لم أعد أملك شيئاً.

ففكر في أوغندا، وأوغندا في ذلك الوقت كانت تحت الاحتلال الإنجليزي، فذهب إلى الإنجليز، وطلب منهم أن يساعدوه في إنشاء دولة في أوغن

<<  <  ج: ص:  >  >>