[دور المستعمرين وبعض حكام المسلمين في إشاعة الإحباط في نفوس المسلمين]
اشترك أيضاً في مؤامرة الإحباط المستعمرون الذين جثموا على صدر الأمة عشرات السنين، أذاقوها من العذاب ألواناً، في مصر وفلسطين وسوريا ولبنان وليبيا والجزائر وتونس والمغرب واليمن والسودان والعراق والكويت.
واشترك في المؤامرة أيضاً بعض الحكام الذين أقنعوا شعوبهم أنهم لا طاقة لهم اليوم بجالوت وجنوده.
ماذا فعلت هذه الطوائف المختلفة من المتآمرين؟ فعلوا جرائم عدة: أولاً: جريمة تزوير التاريخ، وهي جريمة بشعة لا يتسع المجال للخوض في تفصيلاتها، وسأفرد لها إن شاء الله محاضرة خاصة، كذبوا وزوروا والتقطوا الضعيف والموضوع، وأعرضوا عن الصحيح والحسن، ونقبوا عن المصائب، ولا بد أن في تاريخ كل أمة مصائب، وتركوا الأمجاد والفضائل، وركزوا على الجوانب السياسية لمشكلاتها، وأغفلوا الجوانب الأخلاقية والعلمية والمعمارية والعسكرية والاقتصادية والفكرية والأدبية، أساءوا التأويل عن عمد، وطعنوا في الشرفاء عن قصد، فخرج التاريخ إلينا ممسوحاً مشوهاً يستحي منه الكثير، ويتناساه الأكثر، واقتنع معظم المسلمين بأنه إذا كان السابقون الأولون على هذه الشاكلة فكيف يرجى خير ممن لحق؟! إن جريمة تزوير التاريخ جريمة كبرى، وهناك جريمة أخرى ألا وهي تشويه الواقع، فكما طمسوا تاريخ المسلمين المشرق فليطمسوا واقعهم وحاضرهم، فليشترك المربون والإعلاميون من المستغربين في تغييب الأمة، وتحبيط الشعب، وليساعد الإعلام الغربي في هذه المهمة، فيسمي الأشياء بغير أسمائها، فليكن الالتزام بالإسلام مرادفاً للإرهاب، وليكن الحجاب مرادفاً للتزمت، وليكن تطبيق الشرع مرادفاً للرجعية والجمود والتخلف.
إذا أجرم مسلم في الغرب قالوا: أجرم مسلم، وإذا أجرم نصراني ذكروه باسمه لا بدينه، كما في حادث تفجير أوكلاهوما المشهور في أمريكا قالوا: فعلها المسلمون، فلما تبيّن أن الذي فعلها نصراني قالوا: فعلها فلان باسمه.
إذا أساء مسلم قالوا: أساء مسلم، وإذا نبغ مسلم في علمه قالوا: نبغ مصري أو سوري أو باكستاني ووصفوه بقوميته.
وآه من تصوير الملتزمين بالإسلام في وسائل الإعلام، كم من المرات يأتون بالشيخ أو (المأذون) في صورة هزلية مضحكة، كم من المرات يأتون بالمسلمين في الأفلام التي يطلقون عليها إسلامية في صورة عجيبة، ينظرون نظرات حالمة وأبصارهم معلقة في السماء، ويبتسمون في بلاهة ويتحركون ببطء شديد، سبحان الله! وكأن الإنسان إذا أسلم لا بد أن يتخلف عقلياً بهذه الصورة، كم من المرات يأتون بمن التزم طريق الإسلام ينقلب من الحديث بالعامية إلى الحديث بالعربية الفصحى ولكن في تنطع وتقعر شديدين، ومن حوله من الناس لا يفهمونه وينظرون إليه مستنكرين، سبحان الله! مع أن اللغة العربية هي أرقى لغات العالم أجمع.
جريمة كبرى إلى جانب جريمة تزوير التاريخ، تلك هي جريمة تشويه الواقع.
جريمة ثالثة: تعظيم الغرب، فبعد أن كسر رموزك الإسلامية في التاريخ والواقع؛ رفع لك من قيمة الغرب حتى لا يبقى أمامك خيار إلا الاتباع الذليل والتقليد الأعمى، عظموا سلاح الغرب، ومدنية الغرب، وأخلاق الغرب، وعقل الغرب، وأدب الغرب، وفن الغرب، بل وعظّموا لغة الغرب حتى افتتن المسلمون، وأصبح الرجل يحرص على تعليم الإنجليزية لابنه أكثر من حرصه على العربية، وحتى ابتلينا بما أطلقوا عليه مدارس إسلامية للغات بحجة أننا يجب أن نعلم أبناءنا لغة الغرب لندعوهم إلى الإسلام، أتتعلمها على حساب لغتك؟ وبحجة أن الأعمال المرموقة لا بد لها من لغة أجنبيه جيدة، هل على حساب لغة القرآن؟! وحتى لو أتيت لابنك بمعلم للعربية في البيت سيظل الطفل معظماً للغة الأولى في مدرسته.
ففي فرنسا لو خاطبت رجلاً بالإنجليزية ما رد عليك إلا متأسفاً لاعتزازه بلغته، في ألمانيا كذلك إذا أردت أن تعيش هناك فلا حديث إلا بالألمانية، ولقد ذهبت إلى المركز الثقافي الأسباني أبحث عن بعض الصور الخاصة بتاريخ المسلمين في الأندلس فما وجدت عندهم كتاباً واحداً بالإنجليزية فضلاً عن العربية، وعندما قلت لهم: إن اللغة الأسبانية محدودة جداً في مصر فعليهم أن يأتوا بكتب مترجمة حتى نفهمها، قالوا: من أراد أن يعرف عنا شيئاً فليتعلم لغتنا، هكذا يعتزون بلغتهم المحدودة، جريمة تعظيم الغرب أدت إلى صد الطموح عند الشباب، وضعف الهمم وهوان العزم، فيصبح أمل الشاب المسلم في الحياة أن يلقي بوطنه وأهله وراء ظهره، وينطلق إلى بلاد الغرب إلى أمريكا وأوروبا؛ ليعيش في جنة الله في أرضه.