[الواقع الذي يعيشه المسلمون من هزائم متكررة]
الواقع الذي يعيشه المسلمون من هزائم متكررة بدءاً من سقوط الخلافة العثمانية، ومن سقوط فلسطين وإعلان إسرائيل في (١٩٤٨م)، ومن هزيمة مرة في عام (١٩٥٦م) لولا أيزنهاور الأمريكي الذي جعل المسلمين يصورون الحدث وكأنه نصر، بل ويحتفلون به بعد ذلك.
ومروراً بعام (١٩٦٧م) وتدمير الجيش المصري والسوري، وضرب كل المطارات حتى المطارات الداخلية جداً: المنيا الأقصر الغردقة كانت هزيمة كبيرة، حتى نصر أكتوبر عام (١٩٧٣م) والذي كان نصراً مجيداً حقاً أتبع بثغرة مرة وبوقف لإطلاق النار، وبخسارة سريعة لمكاسب هائلة.
أما الواقع الذي يعيشه المسلمون من خيانات مستمرة شاهدنا طرفاً منها في تاريخ فلسطين، ونشاهد أطرافاً أخرى في أماكن متفرقة من العالم الإسلامي.
الواقع الذي يعيشه المسلمون من إباحية في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، ومن سرقات واحتيالات، ومن هروب بمليارات من أموال المسلمين بينما يتضور بعضهم جوعاً، ومن انهيار للاقتصاد وديون متراكمة وإفلاسات مشهورة.
الواقع الذي يعيشه المسلمون من فرقة وتناحر وتشاحن، بين المسلمين وأحياناً بين الملتزمين من المسلمين، هذا الواقع يورث في نفوس كثير من المسلمين إحباطاً ويأساً، يشعرون معه أن القيام من جديد إن لم يكن صعباً فهو من دروب المستحيل.
هؤلاء الذين قنطوا لم يدركوا طبيعة هذا الدين، ولم يدركوا طبيعة هذه الأمة، ولم يدركوا طبيعة سنن الله في الأرض، فالله سبحانه وتعالى شاءت حكمته أن يجعل الأيام دولاً بين الناس: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠]، فكما تعاني أمة المسلمين من القرح اليوم فقد كان هناك أيام عانى فيها الآخرون من القرح، بينما كانت أمة المسلمين في سلامة وعافية، كل الأمم تسود فترة وتتبع غيرها فترات، كل الأمم تقود زمناً وتنقاد لغيرها أزماناً، بل إن كل الأمم تعيش مرة وتموت وتندثر وتختفي مرات، إلا أمة واحدة قد تنقاد فترة من الفترات، وقد تتبع غيرها زماناً من الأزمان، لكنها لا تموت أبداً، تلك هي أمة الإسلام.
أين حضارة الرومان؟ لم يبق منها إلا أطلال وأبنية، أين حضارة الإغريق؟ لم يبق منها إلا فلسفة فارغة ومعابد وثنية، أين حضارة الفرس؟ ماتت ولم تترك ميراثاً، أين حضارة الفراعنة؟ بقيت منها جمادات وديار كديار عاد وثمود، وبقيت جثث محنطة وأوراق بالية، لكن أين الفراعنة؟ إما في بطون القبور، أو في جوف البحر حيث ينتظر جنود فرعون الساعة، أين التتار وجيوشهم؟ أين الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس؟ إنجلترا الآن تابع ذليل، أين الإمبراطورية الروسية القيصرية ثم الشيوعية؟ سقوط مروع وسيأخذ غيرهم دورات ثم يسقطون، وسيعلو نجمهم فترة ثم يحبطون: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} [الدخان:٢٩].
إلا أمة واحدة ما سقطت إلا وكان بعد السقوط قيام، وما ضعفت إلا وكان بعد الضعف قوة، وما ذلت إلا وكان بعد الذل عزاً، تلك هي أمة الإسلام.
طبيعة هذه الأمة أنها أمة شاهدة على غيرها من الأمم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣]، حتى الأمم الغابرة قبل أمة الإسلام نشهد عليها بما جاء في كتابنا القرآن، والأمم المعاصرة نشهد عليها بما رأيناه بأعيننا، وقومناه بمنهجنا وأحكامنا وشرعنا، وسنظل نشهد على الأمم إلى يوم القيامة، فنحن باقون ما دامت الحياة، وغيرنا لا شك مندثر وذاهب.
طبيعة هذه الأمة أنها تحمل الرسالة الخاتمة والكلمة الأخيرة من الله إلى خلقه، وليس هناك رسول بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم، وليست هناك رسالة بعد الإسلام، فلا بد أن يحفظ الله المسلمين لأجل أهل الأرض جميعاً.
طبيعة هذه الأمة أنها الأمة الوحيدة التي كان من همها أن تعلم غيرها دون ثمن ولا أجر، بل قد يدفع المعلمون المسلمون مالاً ويبذلون جهداً وعرقاً ووقتاً بل ونفساً حتى يعلموا غيرهم، هل من الأمم من يفعل ذلك غير أمة الإسلام؟ ألم تكن الشعوب تغير على الشعوب لتأخذ خيرها، وتنهب أرضها وتقتل أهلها؟ بينما كان المسلمون يضحون بأرواحهم؛ ليستنقذوا الناس من جحيم الكفر والضلال إلى جنة الإيمان والهدى.
ألم يقل ربعي بن عامر قولاً ما تكرر في التاريخ على ألسنة المتحضرين من الأمم غير أمة الإسلام يوضح فيه الرسالة الإسلامية بإيجاز فيقول: لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة؟ {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:٩] هذه طبيعة الأمة الإسلامية، بقاؤها هو خير الأرض، وذهابها فناء الأرض: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْ