للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثارة الجمعيات الماسونية العنصرية والقبلية بين الأتراك والعرب]

كما أرسل شاس بن قيس فتى من يهود يزرع الفتنة بين الأنصار أرسل تيودور هرتزل أوامر إلى الجمعيات الماسونية السرية الموجودة في تركيا تحت ستار جمعيات خدمة البيئة والمجتمع وجمعيات الروتاري واللاينز وغيرها أن يفعلوا نفس الشيء، وشاركت في المؤامرة الكبرى قنصليات غربية كثيرة أشهرها إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والنمسا، ذهبوا إلى مجموعة من الشباب المتحرر الانتهازي الطامح إلى الحكم الطامع في الملك، وبدءوا يزرعون الفتنة في قلوبهم زرعاً، ويقتلعون منها الإسلام اقتلاعاً.

بدءوا يشجعونهم على الخروج عن المألوف ونبذ الواقع، والبعد عن العنصريات الداعية إلى التخلف -يقصدون عنصريات العرب- أدخلوا في أذهانهم: لماذا تشغلون أنفسكم بالعرب؟ لماذا المشاكل في العراق وسوريا وفلسطين ومصر والحجاز واليمن؟ لماذا معاداة القوى العظمى في العالم إنجلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا؟ لماذا السباحة ضد التيار؟ ثم أي العناصر أشرف هل أنتم أيها الأشراف الفاتحون العظماء القدراء البشوات والبكوات؛ أم أولئك العرب البدو والرحل؟ اتركوهم لشأنهم وانشغلوا بأنفسكم، انطلقوا إلى تحديث تركيا، انطلقوا إلى الحضارة الغربية، انطلقوا إلى التحرر من قيود التخلف والرجعية والجمود، وهم بذلك يقصدون الإسلام ولكنهم كانوا أذكى من أن يصرحوا بذلك.

وهكذا بدءوا يتحدثون إليهم بحديث الشيطان، يدعون إلى فرقة بين المسلمين على أساس العنصر والقبلية، أتراك وعرب، ردة حديثة إلى جاهلية قديمة، دعوى الجاهلية كما سماها سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، تسلطوا عليهم بهذه الأقوال، وكيد الشيطان وإن كان ضعيفاً على المؤمنين إلا أنه كان عظيماً وكبيراً على الذين يتولونه والذين هم به مؤمنون.

وبدءوا يلمعون في هؤلاء الأفراد ويعظمونهم، ويرفعون من قدرهم، ويضعون صورهم في الصحف والمجلات العالمية، ويغدقون عليم بالجوائز القيمة، والتقديرات الدولية، وكان التركيز كبيراً على ضباط الجيش التركي بالذات، فالتأثير عليهم قد يؤثر على الخلافة بأكملها، ووجد هؤلاء أنفسهم في يوم وليلة بعد أن كان لا يسمع عنهم أحد ملء السمع والبصر، في كل يوم يقابلون سفيراً أو وزيراً أو ملكاً غربياً، وزاد الترغيب عندما وعدوا بحكم تركيا إن هم تخلصوا من العرب، واكتفوا بالأتراك فقط، وسال لعاب المخدوعين.

فقد وعدوا بجزء من الدنيا فباعوا الدين بكامله، وقالوا: ماذا نفعل؟ وجاءت التوجيهات: أنشئوا ما يسمى جمعية الاتحاد والترقي، تهدف في ظاهرها إلى إعلاء شأن الأمة وخدمتها ورعاية مصالحها، ضموا إليها من استطعتم من رجال الجيش والحكم والمال والفكر، أعلنوا المبادئ الثلاثة الآتية: حرية، عدالة، مساواة.

عظموا من القومية التركية، وذكروهم بآبائهم وأجدادهم الأتراك دون العرب، ارفعوا من قيمة الغرب ورجاله وإعلامه وحضارته، انتقدوا بهدوء أفعال السلطان ولا مانع أيضاً من انتقاد الإسلام ولكن بحذر.

وهكذا أسست الجمعية العلمانية المشهورة جمعية الاتحاد والترقي، هل اكتفى شاس بن قيس الجديد تيودور هرتزل بذلك؟ أبداً ذهب إلى الجناح الآخر ليستكمل المؤامرة بإحكام، وليضيق الخناق على دولة المسلمين، ذهب إلى العرب، وفعل عن طريق الجمعيات السرية والقنصليات الغربية والعملاء والأتباع ما فعله مع الأتراك، وذهبت الجمعيات تحدث العرب المخدوعين: أنتم أيها العرب! أصحاب الشرف والمجد، أنتم يا أبناء الصحابة! ويا سلالة قريش! أنتم أيها الأشراف العظماء! ما لكم والأتراك، أولئك الذين احتلوا بلادكم ونهبوا ثرواتكم، وبددوا طاقاتكم وحكموا آباءكم وأجدادكم، أتريدون أن تتركوا لهم أبناءكم وأرضكم؟ ما لكم والأتراك، أولئك الذين لا يحسنون لغة، ولا يفقهون ديناً، ما لكم والأتراك، أولئك الذين ظلموا وتجبروا وتكبروا.

وهكذا سبحان الله!! وجدوا آذاناً صاغية ولا عقول، وانتشرت أفكار القومية والعنصرية المفرقة في أرجاء العالم الإسلامي بأسره، ووقف تيودور هرتزل يتفرج بسعادة، ويصفق للمختلفين ويعين المتصارعين وعمت الفتنة الأرض، ولكن سبحان الله! أبى الله أن يريه نتائج مؤامرته، فمات وهو في ٤٤ من عمره، ودخل قبره وقامت قيامته، ولقي ما هو مناسب لعقيدته وعمله، كان ذلك في سنة ١٩٠٤م.

لكن الحق أنه قد أرسى دعائم قوية لأفكاره ومعتقداته وخططه ما تبدلت كثيراً بموته وخلفه على زعامة الصهيونية حاييم وايزمن من زعماء اليهود المشهورين.

<<  <  ج: ص:  >  >>