[الصدقة لا تنقص من مال العبد]
الوسيلة السادسة من وسائل التحفيز: بعض الناس ما زال متشككاً ويقول: في جيبي الآن عشرة جنيه مثلاً، وسأعطي فلسطين خمسة، فكيف تصبح العشرة كما هي عشرة؟! سبحان الله! ألم يعدك ربك بأنه يخلفه في الدنيا؟ فإن كان ما زال في القلب شيء، تأتي الوسيلة السادسة العجيبة: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين الذي لم يكذب في حياته قط، والذي لم يجرؤ أعداؤه فضلاً عن أحبابه أن يتهموه بالكذب يقسم لك أن الصدقة لن تنقص من مالك، بمعنى: أنه لا بد وحتماً أن يتم التعويض في الدنيا قبل الآخرة، والتعويض إما بمال قادم أو برفع أمر كنت ستنفق فيه حتماً، والمسلمون لا يحتاجون لقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يقسم صلى الله عليه وسلم على أشياء يكون في قلوب بعض المسلمين منها شك؛ وذلك تأكيداً وتحفيزاً لمن تزعزع قلبه واهتز يقينه.
روى الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أيضاً الإمام أحمد: عن أبي كبشة عمرو بن سعد الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقه)، الثانية: (ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)، فهي جميعاً أمور تحتاج إلى كثير يقين وعظيم عقيدة.
إخواني في الله! هل ما زال في قلوب بعضكم شك؟ هل ما زلت متشبثاً بالمال؟ إن كان كذلك فهاك وسيلة سابعة من وسائل التحفيز الرباني: نجد أن الله عز وجل في موضوع الحث على الإنفاق يستعمل ألفاظاً عجيبة لا يتخيلها الناس ولا يتوقعونها، وانظر إليه يا عبد الله! كيف ينادي عليك وعلى عباد الله الآخرين متلطفاً متحبباً: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:٢٤٥].
سبحانك يا رب! كم أنت كريم! المال مالك، والعبيد عبيدك، ثم أنت سبحانك تستقرضنا من مالك! ماذا تعطينا إذا أقرضناك أموالنا؟ ضاعفت لنا أضعافاً كثيرة.
سبحان الله! إن إلهاً بهذه الصفات لجدير أن يعبد وأن يحب وأن يعظم وأن يبجل، والآية فعلاً عجيبة وسياقها مبهر، وكما تعجبنا لها فقد تعجب لها الصحابة، لكن انظر إلى التعجب الإيجابي من الصحابة.
روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إنه لما نزلت هذه الآية قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله! وإن الله عز وجل ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح! قال: أرني يدك يا رسول الله!)، فانظروا الإيجابية والحسم، لم يتردد ولم يتأخر ولم يسوّف، قال عبد الله بن مسعود: (فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي -أي: حديقتي وأرضي-)، قال عبد الله بن مسعود: وهو حائط فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، قال: فجاء أبو الدحداح وناداها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك، قال: اخرجي فإني قد أقرضته ربي عز وجل، فهذا عطاء في كرم وقرار في حسم، لقد كان أبو الدحداح الأنصاري رضي الله عنه معطاءً بشكل عجيب.
روى الإمام مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة أبي الدحداح رضي الله عنه قال: كم من عذق معلق في الجنة لـ أبي الدحداح)، أي: كم من نخيل لـ أبي الدحداح رضي الله عنه في الجنة.
يذكر الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم سبب ذلك فيقول: إن يتيماً خاصم أبا لبابة رضي الله عنه في نخلة فبكى الغلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي لبابة: (أعطه إياها ولك بها عذق في الجنة)، فقال: لا، فسمع أبو الدحداح فاشتراها من أبي لبابة بحديقة له، ثم قال: يا رسول الله ألي بها عذق إن أعطيتها اليتيم؟ قال: (نعم)، ثم قال: (كم من عذق معلق في الجنة لـ أبي الدحداح)، وهاقد مضت الأيام وذهب أبو الدحداح والغلام والحائط وذهبت النخلة، ولكن ماذا بقي؟ بقي عذق أبي الدحداح في الجنة، {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:٩٦].
وانظروا إلى الفارق الكبير بين رد فعل أبي الدحداح عند نزول الآية الكريمة: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة:٢٤٥]، وبين رد فعل اليهود؛ وهذا إنما لتفرقوا طبيعة اليهود الذين نحن نتعامل معهم.
لما نزلت الآية نفسها قال اليهود: يا محمد! افتقر ربك ف