[مقابلة ثيودور هرتزل للسلطان عبد الحميد الثاني والعروض التي قدمها له]
في هذا الجو المتوتر تماماً والعصبي تماماً بين إنجلترا والدولة العثمانية، وبين اليهود والدولة العثمانية لم ييأس تيودور هرتزل من أن يقابل سلطان المسلمين في هذا الوقت عبد الحميد الثاني رحمه الله، فمع كل هذه الأمور إلا أنه ذهب ليقابله ويعرض عليه عرضاً عجيباً.
يقول تيودور هرتزل في مذكراته: أنه ذهب بنفسه إلى السلطان عبد الحميد الثاني وحاول مرة وثانية وثالثة أن يقابله، حتى نجح في الأخيرة وعرض عليه عروضاً، انظر معي إلى عروض تيودور هرتزل على السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله؛ حتى تعلم عظمة هذا الرجل السلطان عبد الحميد الثاني، وحتى تعلم أيضاً مدى ثراء اليهود في ذلك الوقت.
العرض الأول: مائة وخمسون مليون ليرة إنجليزية رشوة خاصة للسلطان عبد الحميد الثاني.
العرض الثاني: سداد جميع ديون الدولة العثمانية البالغة ثلاثة وثلاثين مليون ليرة إنجليزية ذهبية.
العرض الثالث: بناء أسطول لحماية الإمبراطورية العثمانية بتكاليف قدرها مائة وعشرون مليون فرنك ذهبي.
العرض الرابع: تقديم قرض بخمسة وثلاثين مليون ليرة ذهبية دون فوائد لإنعاش مالية الدولة.
العرض الخامس: بناء جامعة عثمانية إسلامية في القدس.
العرض السادس: تهدئة الأوضاع في الغرب حول قضية اضطهاد العثمانيين للأرمن والتي أثيرت في فرنسا وإنجلترا، فرنسا وإنجلترا ادعتا أن الدولة العثمانية اضطهدت الأرمن، والحق أن الأرمن النصارى ثاروا على الدولة العثمانية التي تملك هذه البلاد في ذلك الوقت، لكن أشيع في فرنسا وإنجلترا أن الدولة العثمانية تضطهد الأرمن؛ حتى يكون هذا ذريعة لدخول الجيوش الإنجليزية والفرنسية لاحتلال الدولة العثمانية بهدف الدفاع عن الأرمن النصارى، فعرض عليه تيودور هرتزل أنه سيهدئ له قضية الأرمن في إنجلترا وفرنسا وأنه على ذلك قادر.
ستة عروض ضخمة يسيل لها لعاب أي رجل من حكام الأرض في ذلك الوقت، لكن السلطان عبد الحميد رجل صالح وقليل ما هم، نظر السلطان عبد الحميد من أعلى إلى كل هذه العروض وقال: على تيودور هرتزل ألا يتقدم خطوة واحدة أخرى في هذا الشأن، لا أستطيع بيع بوصة واحدة من البلد؛ لأنه ليس ملكي بل ملك شعبي، لقد أوجد هذه الإمبراطورية وغزاها بدمه، وسنغطيها مرة أخرى بدمائنا قبل أن نسمح بتمزيقها، يستطيع اليهود أن يوفروا ملايينهم حين تقسم الإمبراطورية، قد يأخذون فلسطين مقابل لا شيء، لكن لن تقسم إلا على جثثنا؛ لأنني لن أسمح أبداً بتشريحنا ونحن أحياء.
الله أكبر! هكذا كان رد السلطان عبد الحميد الثاني على تيودور هرتزل ثم طرده وطلب تيودور هرتزل مرة أخرى أن يقابله، فرفض رفضاً تاماً وأغلق باب اليهود تماماً.
ولا بد أنه سيكون لليهود شأن مع السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله.
أذكر مقولة قالها تيودور هرتزل بعد هذا الرفض وسجلها في مذكراته وعرضها في مؤتمرهم بعد ذلك على اليهود، قال: في حال استمرار رفض السلطان عبد الحميد للمطالب الصهيونية فإن تحطيم الإمبراطورية العثمانية شرط أساسي لإقامة حكومة صهيونية في فلسطين.
يعني: بعد هذا اللقاء قرر تيودور هرتزل ومن معه في مؤتمراته أن يسقطوا السلطان عبد الحميد الثاني.
إذاً: نلخص ما سبق.
أن اليهود بدءوا ينظرون إلى قوى الأرض في ذلك الزمان، فوضعوا أيديهم في أيدي إنجلترا، وفشلوا أن يتعاهدوا مع ألمانيا، وفشلوا أيضاً أن يتعاهدوا مع روسيا، ولكن روسيا ردت رداً شديداً عليهم ففكروا في قلب نظام الحكم هناك، وأيضاً جوبهوا بمجابهة عنيفة شديدة من الخلافة العثمانية ففكروا أيضاً في قلب نظام الحكم في الخلافة العثمانية، يا ترى! كيف تحرك اليهود لتنفيذ هذه المخططات الخبيثة الكبيرة جداً وهم لم يكن لهم دولة في ذلك الزمن؟ يا ترى! كيف سعوا لإسقاط الدولة العثمانية؟ ويا ترى! كيف سعوا لإسقاط الدولة الروسية القيصرية؟ ويا ترى! كيف نفذت إنجلترا مخططات اليهود؟ هذا ما نتداوله وغيره إن شاء الله في المحاضرة القادمة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وجزاكم الله خيراً كثيراً.