[تحرير فلسطين لكون المسجد الأقصى فيها]
الأخطر والأخطر والأخطر، أن نقول: إننا نحرر فلسطين من أجل الأقصى، وهذا كلام سيستغرب منه الكثيرون، لكن لنحلل هذا المنطلق: أولاً: ستتطور المساومة والفصال إلى حد خطير، سيقولون: لا مساس بالمقدسات الإسلامية، الأقصى وقبة الصخرة؛ ولذلك نعطيك الأقصى وقبة الصخرة ونأخذ فلسطين والقدس، ثم مرحلة أخرى من المساومات، يقولون: لضمان الأمان أكثر نجعل الأقصى تحت حماية دولية وليس تحت حماية المسلمين، فيفقد المسلمون ملكيتهم للأقصى ويصبحون زواراً له، نعم يزورونه بحرية كما يزورون مسجد قرطبة في إسبانيا اليوم، ثم مرحلة جديدة بعد ذلك، هكذا خطوة خطوة، وهي إعطاء الأقصى ولكن بدون جدار واحد فقط من جدرانه، يدعون أن هذا الجدار هو حائط المبكى وبقايا هيكل سليمان عليه السلام، ثم خطوة أخرى خطيرة جداً عندما يلاحظون موت الشارع الإسلامي، وهي هدم الأقصى وإقامة هيكل سليمان عليه السلام، ولكن من الممكن أن تحدث ثورة في العالم الإسلامي، فيقولون لهم: لماذا تثورون؟ سنعطيكم قبة الصخرة.
وقبة الصخرة يا إخوة! أقل شرفاً من الأقصى، فيقولون: لماذا لا نقنع المسلمين أن المسجد الأقصى هو قبة الصخرة؟ فينشرون دعاية فيها أن قبة الصخرة الصفراء المشهورة وكأنها المسجد الأقصى، وكثير جداً من المسلمين كانوا يظنون أن هذه القبة الصفراء الذهبية المشهورة هي قبة الأقصى إلى وقت قريب، لكن الحمد لله مؤخراً بدأ بعض المسلمين يعلم أن الأقصى الحقيقي غير قبة الصخرة الصفراء المشهورة.
إذاً: عندما نقول: نحن نحرر فلسطين لأن فيها الأقصى، فإنهم سيساومون على الأقصى الذي تريده، ويأخذون بقية البلاد، وليس هذا فقط، بل هناك أمور أخرى لا تقل خطورةً بالنسبة لفهم القضية، نحن قلنا: إنهم سيساوموننا على كل شيء ويعطوننا الأقصى، هذا لو أعطونا.
ثانياً: هل الأقصى كبناء أغلى في القيمة، أم دماء المسلمين الذين يعيشون في مدن قد تبعد كثيراً عن الأقصى، في رام الله والخليل وغزة ونابلس وغيرها، حتى في غير فلسطين؟ أنا لن أتطوع بالإجابة ولكن أترك الإجابة إلى معلمي ومعلم الأجيال ومرشدي ومرشد العالمين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده! لحرمة المؤمن أعظم عند الله منك، ماله ودمه وإن نظن به إلا خيراً).
وروى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه نظر يوماً إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.
سبحان الله! المؤمن أعظم حرمة عند الله من الكعبة، والكعبة بلا شك أعظم شرفاً من الأقصى.
إذاً: خطأ كبير في الفهم ألا يتحرك المسلمون لقتل الأبرياء من الفلسطينيين بينما ينتفضون لزيارة شارون إلى الأقصى.
أقول: جميل ولا شك أن ينتفض المسلمون لدخول شارون الأقصى، ولكن لا بد أن يكون رد الفعل أشد وأعنف عند المسلمين إذا قتل مسلم من مسلمي فلسطين، فما بالك بالمئات من أهل فلسطين؟! خطأ كبير في الفهم أن يهتم المسلمون وينتفضوا لحفر نفق تحت الأقصى، ولا يهتمون ولا ينتفضون لذبح ثلاثة آلاف من المسلمين في صبرا وشاتيلا، وما تحركوا إلا على استحياء بعد أن فتحت الموضوع إذاعة الـ BBC البريطانية بعد ١٩ عاماً من الحديث، ساعتها بدأنا نتكلم ونرفع قضايا في بلجيكا وغيرها، لكي نرجع حق المسلمين الذين ذبحوا منذ ١٩ عاماً.
فدماء المسلمين غالية جداً، وإن هدم الأقصى فسيتجدد بناؤه إن شاء الله، لكن لو أريق دم المسلم من يعيده إلى أسرته في الدنيا، حرمة كبيرة وذنب عظيم أن يقتل المسلم ولا ينتفض المسلمون، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمو بدم المسلم سمواً أعلى من الكعبة والأقصى، بل والدنيا جميعاً، فيقول في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)، هذا الحديث رواه أيضاً النسائي والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
فلا بد من ترتيب الأولويات، دماء المسلمين تأتي قبل مقدسات المباني.
إذاً: اعتقاد المسلمين أننا نحرر فلسطين فقط لكونها تحتوي على المسجد الأقصى ينطوي عليه خطران كما ذكرنا: الخطر الأول: المساومة على الأقصى في مقابل بقية فلسطين.
والخطر الثاني: تعظيم قيمة الأقصى أكثر من دماء المسلمين.
والخطر الثالث: هو هل يلزم وجود مكان مقدس في البلد كالأقصى أو الكعبة حتى يتحرك المسلمون لتحريرها؟ هل تضعف حمية المسلمين عن مساعدة أهل الشيشان؛ لأنهم لا يمتلكون أقصى في بلادهم؟ هل لا تتفطر قلوب المسلمين على نساء البوسنة المغتصبات؛ لأنهن لا يمتلكن كعبة في بلادهن؟ هل لا تغلي