[تحرير فلسطين لأنها مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم]
من الأشياء التي خص الله بها فلسطين كونها مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن نسأل أنفسنا: لماذا ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته العظيمة إلى السماء إلى القدس أولاً، كان من الممكن أن يأتي الله له بالأنبياء يصلون معه في مكة وهي أشرف بلا شك، أو يصلي بهم في السماء، ولكن سبحان الله! في ذلك إيحاءات كثيرة: أولاً: تسلم الرسول صلى الله عليه وسلم لقيادة البشرية من مركز القيادة القديم وآخر عهده أنبياء اليهود.
ثانياً: إلقاء حب هذا المكان بصورة أكبر في قلوب المؤمنين.
ثالثاً: جعل الله الأقصى القبلة الأولى للمسلمين، وظلت كذلك ستة عشر أو سبعة عشر شهراً في المدينة المنورة، كما جاء في رواية البخاري، ثم حولت القبلة بعد ذلك إلى الكعبة، فكان الأقصى هو أولى القبلتين، وبذلك يضاف شيء جديد بالإضافة إلى كونه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيزداد المسلمون حباً له ولمحله القدس وفلسطين، والعلاقة بين القدس والكعبة وثيقة، فغير المسرى والقبلة هو التالي مباشرة في البناء على الأرض للكعبة.
أخرج الإمام مسلم رحمه الله عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع على الأرض؟ قال: المسجد الحرام.
قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى.
قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عاماً، ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصل).
ولهذه الميزات العظيمة جعل الله له مزية رابعة خاصة جداً، فالمسلم قد يشد الرحال من بعيد ليأتي ويصلي في المسجد الأقصى، فهذه مزية خاصة ليست إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، وذلك كما جاء في البخاري: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)، فلا يجوز لأحد أن يسافر من بلد إلى بلد -حتى ولو كان في نفس القطر- ليذهب ويصلي في مسجد ما، إلا في هذه المساجد الثلاثة.
المزية الخامسة: يخبر صلى الله عليه وسلم أن أجر الصلاة فيه إلى خمسمائة صلاة، وهذه أيضاً مزية بالنسبة لغيره من المساجد.
المزية السادسة: يبارك الله سبحانه وتعالى في الأرض التي تحيط بالأقصى، وهي أرض فلسطين، وأرض الشام بصفة عامة: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء:١] {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:٧١].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الطبراني وصححه الألباني: (الشام أرض المحشر والمنشر).
المزية السابعة: أكثر من ذلك أن الله لا يبارك فقط في الأرض إلى يوم القيامة، بل يبارك في ساكني فلسطين أيضاً إلى يوم القيامة، روى الطبراني وصححه الألباني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالشام، فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من خلقه).
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، على من يغزوهم قاهرين، لا يضرهم من ناوءهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك.
قيل: يا رسول الله! وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس).
كل هذه الأمور ترفع جداً من قيمة فلسطين، لكن كما ذكرنا ليست هي المبرر الأول لتحرير فلسطين، بل المبرر الأول كون الأرض إسلامية، وهذه الميزات حوافز زائدة على المبرر الأول، وذلك كما تنقذ طفلاً من الموت فهذا واجب، لكن أن يكون الطفل ولدك هذا يضاف إلى كونه واجباً، فهو شيء فطري لا يستطيع الإنسان أن يتخلى عنه إلا أصحاب النفوس الخبيثة جداً.
سؤال مهم: لماذا يعطي الله كل هذه المزايا لهذه الأرض، فيزيد حب المسلمين لها ويتحركون إليها أسرع مما يتحركون إلى غيرها، لماذا لم يجعل مثلاً المسجد الأقصى في الجزائر، فيسارع المسلمون إلى الجزائر إذا احتلت، أو في مصر فيبادر المسلمون إليها، أو في غيرها من البلاد، لماذا فلسطين بالذات؟
الجواب
لا أعتقد أن السبب فقط في كونها أرض ديانات سابقة ورسالات عديدة، ولكن أعتقد أن الله سبحانه وتعالى لما كان يعلم بسابق علمه للأحداث أن هذه البقعة من الأرض ستظل مكاناً لصراع دائم مستمر بين قوى الأرض المختلفة وبين المسلمين أراد أن يزيدها محبة في القلب؛ لأنه سوف يتكرر القتال فيها مرات ومرات، فقد أتاها الصليبيون من أبعد النقاط عنها في العالم المعمور وقت ذاك، واحتلوها ٢٠٠ سنة كاملة، وكان من الممكن أن ينسى المسلمون القضية لتقادم الزمان، لكن أبداً ما نسيها المسلمون، ثم جاء اليهود من الشتات والتيه الحديث من كل بلاد العال