[فوائد إيمانية من حديث: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم)]
يبقى سؤال لا شك أنه يداعب أذهانكم ويتردد في نفوسكم، هذا السؤال هو: لماذا هذه المشكلة من الأساس؟ لماذا هذا الوضع المتدهور لأمة تعودت أن تسود؟ لماذا هذا الاحتلال البغيض لحفنة من اليهود الخبثاء لا يتجاوزون بضعة ملايين في وجود أمة كثيرة تعدادها مليار وثلث مليار من المسلمين؟ لماذا هذا الاجتماع والتوافق بين أمم الأرض على أمة المسلمين؟ لماذا عدم الاكتراث في تعليقات وتصرفات اليهود ومن معهم عند الحديث عن المسلمين، فتجد هذا يصرّح بأن حضارة الغرب كانت دائماً أعلى من حضارة المسلمين وكذب، وتجد هذا يُعلن أنها حرب صليبية على المسلمين وصدق، وتجد آخر يصرّح بالتهديد بقتل زعماء المسلمين، وذاك يهدد بضرب منشآت حيوية كالسد العالي وغيره، لماذا هذه الجرأة على المسلمين؟ ولماذا هذا التفاعل المتراخي من قبل المسلمين لأشياء ما كان السابقون يسكتون على معشارها؟ هذه أمور أدت في النهاية إلى احتلال فلسطين وتبجّح اليهود وتسلط الغرب، باتت هناك مشكلة وأصبحنا نبحث عن حل.
إذا ادلهمت بك الخطوب، وتعددت أمامك السبل، وشعرت أنك تائه حيران فعليك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله لقد وجدت حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصف الأحداث وكأنه صلى الله عليه وسلم يراها رأي العين.
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود رحمهما الله عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واللفظ هنا لـ أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تُداعي عليكم) تُداعي: بضم التاء وكسر العين، تعني كما جاء في عون المعبود لشرح سنن أبي داود: أن يدعو بعضهم بعضاً على أمة المسلمين (يوشك الأمم أن تُداعي عليكم كما تُداعي الأكلة إلى قصعتها) أي: كما يدعو بعضكم بعضاً إلى الطعام، فإن الأمم تدعو بعضها البعض كي يأتوا ويأكلوا طرفاً من أمة المسلمين، والتصوير عجيب! وفيه إيحاءات عميقة: فأولاً: الأكلة كبيرة جداً، فهي أمة بمفردها تكفي لإشباع الأمم، فيدعون بعضهم البعض على أمة المسلمين.
ثانياً: يعتبرها الآخرون ملكاً خاصاً لهم، لا يأكلون فقط، بل ويدعون أيضاً أصحابهم إليها، شيء عجيب جداً!! ثالثاً: مع ضخامة الأكلة إلا أن الأكل لا يقاوم آكله.
الأمة أصبحت في حالة سلبية تماماً، تؤكل دون حراك وتُنهش دون اعتراض، حتى جاء في شرح ذلك في عون المعبد أن المعنى: أنهم يأخذون ما في أيديكم بلا تعب ينالهم، أو ضرر يلحقهم، أو بأس يمنعهم، والتصوير مُرعب ومخوف وهائل لدرجة أرعبت الصحابة، فتسارع أحدهم يسأل فقال: (ومن قلة نحن يومئذ؟) أي: أن العدد سيكون قليلاً؟ هذا هو التفسير المنطقي الذي قد يخطر على الذهن، أننا قلة بسيطة مستضعفة، أما هم فأعداد لا تُحصى وأرقام لا تقدر؛ ولذلك تمكنوا منا، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفاجئ سامعيه بقوله: (بل أنتم يومئذ كثير) إذاً: ما هي المشكلة؟ فنحن لسنا قليل بل كثير، تعدادنا مليار وثلث مليار، ثم يكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرعة فيقول: (ولكنكم غثاء كغثاء السيل) ما هو الغثاء؟ جاء في عون المعبود: أن الغثاء: هو ما يحمله السيل من زبد ووسخ.
سبحان الله! هكذا أصبح المسلمون غثاء كغثاء السيل؟ ومع تداعيات ذلك انظر إلى بقية كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ليس فقط غثاء كغثاء السيل، ولكنه يُكمل فيقول: (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم).
عدوك الذي وصف بالجبن في كتاب الله أكثر من مرة، هؤلاء الذين لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، هؤلاء الذين يحرصون على الحياة تُنزع من صدورهم المهابة منكم فلا يأبهون بكم، من الذي نزع المهابة لنا من صدور عدونا؟ إنه الله عز وجل، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم) فالله هو الذي ينزع المهابة، وذلك لما خالف المسلمون المنهج سلّط عليهم من هو شر منهم حتى يعودوا إلى ربهم.
هل هذا وكفى؟ بل انظر إلى ما بقي من الحديث: (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن) هل الله هو الذي يقذف الوهن في قلوب المسلمين؟ نعم.
أيضاً هو الله الذي يقذف الوهن، والضعف، والخور، والجبن، وقلة الحيلة في قلوب المسلمين، لماذا؟ عقاباً لهم على أمر خطير وشيء عظيم، فقد تسارع الصحابة يسألون عن هذا الوهن أو يسألون عن سببه فقال قائل: (يا رسول الله! وما الوهن؟ قال صلى الله عليه وسلم: حب الدنيا، وكراهية الموت) وهما كما جاء في عون المعبود: أمران متلازمان فكأنهما شيء واحد، يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين، ونسأل الله العافية.
إذاً: يا إخوة الأمر واضح وجلي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، موطن الداء هو حب الدنيا وكراهية ا