للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف العرب من الأحداث في الحرب العالمية الثانية]

ماذا كان موقف العرب في الحرب العالمية الثانية؟ اتجهوا إلى الدولة الصديقة إنجلترا، وساعدوها بمدها بالأفراد المتطوعين في حرب لا ناقة للمسلمين فيها ولا جمل، بل إنهم ضاعفوا من إنتاجهم الزراعي لكفاية جيوش الحلفاء، بل إن هؤلاء الحكام أتوا بعلماء أفتوا بأن الحرب مع الإنجليز ضد ألمانيا هو نوع من الجهاد في سبيل الله.

وأما الشعوب فقد اتجه هواها إلى ألمانيا على اعتقاد أن عدو عدو الأمة هو صديق للأمة، حتى إن بعض القيادات في فلسطين ذهبوا يطلبون مساعدة من ألمانيا لتحرير فلسطين، والواقع يا إخوة! أنه ليس من سنة الله أن ينصر المسلمون بالكافرين، ولو حدث نصر للمسلمين بجيش الكافرين فإنه يكون نصراً بلا شرف وفوزاً بلا عز، ولا بد أن الكافرين سيحصلون على ثمن، وقد يكون الثمن أغلى من النصر.

كان من المفروض ألا يضع العرب أيديهم في أيدي الإنجليز، فقد كانت فرصة طيبة لفرض الشروط ولتحرير البلاد ولجني أفضل الثمار في فلسطين، فإنجلترا مشغولة في الحرب مع الكبار، ولا تريد مشاكل في مناطق متعددة، لكن العرب كانوا قصيري النظر لا ينظرون إلا تحت أقدامهم لو كانوا ينظرون.

هذا ليس خللاً في الإسلام ولا في التشريع، فالعرب في هذا الوقت لم يكونوا يعرفون قرآناً ولا سنة، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان دائم الاطلاع على أحوال العالم في زمانه، كان القرآن يتنزّل في مكة أيام التعذيب والتشريد والاضطهاد، يحكي عن حرب الفرس مع الروم، عمالقة الزمان وقتئذ، يلفت أنظار المسلمين إلى ما يدور هناك، والمسلمون لا يستطيعون الصلاة إلا سراً، لكن لا بد أن يتابع المسلمون الأحداث العالمية وإن كانت في ظاهرها بعيدة، فقد تؤثر بشكل أو بآخر على المسلمين.

ولما زاد الاضطهاد بمكة كان صلى الله عليه وسلم يعلم ملوك الأرض وطبيعة الدول، أمر بالهجرة إلى الحبشة؛ لأنه يعلم أن هناك ملكاً لا يُظلم عنده أحد، ولم يرسلهم إلى فارس أو إلى الروم أو إلى الهند أو إلى السند؛ وذلك لأنه يعلم أن نظام الحكم ونوعية الحكام في هذه البلاد لا تصلح لإيواء المهاجرين، بينما في الحبشة تصلح.

اطّلاع كامل على أحوال العصر وتحرك مديّ على دراسة.

وفي غزوة الأحزاب والرجل لا يأمن على قضاء حاجته، والأحزاب جاءت من فوق المسلمين ومن أسفل منهم، ومع ذلك يبشرهم في هذا الوقت العصيب بفتح فارس والشام واليمن، يطلق أبصارهم نحو المستقبل بدلاً من أن ينظروا تحت أقدامهم، فيصطدموا بواقع لا يعلمونه ولا يتوقعونه.

وبعد فتح مكة يرسل رسائل إلى كل ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، قائد مطّلع على الأحداث، إيجابي في الأداء، عزيز في الطلب، يعلّم أمته أنها وجدت لا لتتبع الآخرين، بل لتُتّبع بالآخرين، لا لتنقاد للآخرين، بل لتقود الآخرين: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠].

أما من سار على غير الطريق المستقيم ومن انحرف ولو درجة فلا يُرجى له وصول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:١٥٣].

لكن الخلاصة على العموم: أن هذه الفترة العصيبة من تاريخ البشرية شهدت إعداداً مدروساً وعملاً حثيثاً، وجهداً مرتباً وممنهجاً من قِبل اليهود، بينما كان العرب يتخبطون في اتجاهات مختلفة دون هدف معروف أو غاية مطموحة، وانتهت الحرب العالمية الثانية، وبقيت سنوات معدودات؛ وتقام دولة إسرائيل في فلسطين، وفي كل عام من الأعوام المتبقية كانت هناك للمسلمين أحزان.

<<  <  ج: ص:  >  >>