للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان أهداف شريعة الحق وأهداف شريعة الباطل]

سؤال قد يطرح: هذا المنطلق للأراضي الإسلامية المحتلة بهذا الإدراك الشامل والمفهوم الواسع يتعارض مع ما يسمى بالشرعية الدولة، فإن الشرعية الدولية الآن فرضت حدوداً في كل دولة، فلا يجوز أن تعبر حسب قولهم.

الجواب

هناك نوعان من الشرعية في العالم، هناك شريعة الحق، وشريعة الباطل، واصطلح المبطلون في هذا العصر على تسمية شريعة الباطل بالشرعية الدولية، فالشرعية الدولية هي شريعة الغاب القوي فيها يأكل الضعيف، ولا فرق في الشرعية الدولية بين صاحب الحق وبين مغتصب الحق، المهم من هو الأقوى، ولا فرق في الشرعية الدولية بين الظلم والعدل، المهم من الأقوى، ولا فرق في الشرعية الدولية بين الرحمة والقسوة، المهم من الأقوى.

فالشرعية الدولية منعت دخول التطعيمات ولبن الأطفال للعراق إلى أن مات عشرات الألوف من الأطفال، الشرعية الدولية أجازت ضرب المدنيين في العراق والبنية التحتية غير العسكرية: محطات الكهرباء، المصانع، المدارس، المستشفيات، الشرعية الدولية أجازت ضرب مصنع الأدوية الوحيد في السودان؛ لأنها أعلنت تطبيق شرع الله ولو جزئياً في بعض الولايات، الشرعية الدولية أعطت كشمير للهند مع علمهم بغالبيتها المسلمة، الشرعية الدولية تركت الصين تأكل المسلمين في تركمانستان الشرقية، ولعلكم سمعتم بعشرات المسلمين الذين أعدموا قريباً، وأذاعت الخبر الـ BBC، وجاء الخبر في الديلي تلغراف البريطانية، أنه أعدم عشرات من المسلمين بعد أن أجبروا على أن يحتسوا الخمر في وجبتهم الأخيرة، وداروا بهم في كل بلاد تركمانستان حتى يكونوا عبرة لغيرهم، فالشرعية الدولية تركت الصين تأكل المسلمين ولم تحرك صاروخاً في اتجاه الصين، الشرعية الدولية تركت الصرب تذبح وتغتصب بالبوسنة والهرسك وكوسوفا، وبعد ذلك بتسع سنين يحاكمون ميلوسوفيتش، وكأنه انتصار كبير للعدالة الدولية! فالشرعية الدولية يا إخوة! ما هي إلا اصطلاح اجتمع عليه مجرمو الحرب في العالم؛ لتنفيذ رغبات الدول القوية.

قل لي بالله عليك! لماذا هذا الشكل المتباين بين موقف أمريكا تجاه الكويت عند احتلال العراق لها، وبين موقف أمريكا من اليهود في فلسطين، والذين ظلموا في الكويت هم مسلمون، والذين ظلموا في فلسطين مسلمون أيضاً، فهذا احتلال ظالم وهذا احتلال ظالم.

فلماذا تحركت الشرعية الدولية ولم يستطع بوش الأب أن ينام حزناً على مصائب المسلمين في الكويت، إلا عندما جمع أهل الأرض جميعاً بما فيهم المسلمين لتحرير الكويت، وهنا تحرك غالب المسلمين بشهامة لتحرير الكويت، وأخرج المصحف وقرأ العلماء: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:٩].

لماذا ينام بوش الأب وكلينتون ثم بوش الابن ملء جفونهم! واحتلال إسرائيل لفلسطين مستمر بصورة أبشع بكثير من احتلال العراق للكويت؟! ثم أين شهامة المسلمين الذين تحركوا لنجدة الكويت؟ أين شهامتهم وجيوشهم في قضية فلسطين؟ لماذا لم يخرجوا المصحف، ولماذا سكت العلماء الذين روجوا لتحرير الكويت؟! أليس في المصحف آيات تحض على نجدة أهل فلسطين وعلى قتال اليهود؟! لماذا فرضت الشرعية الدولية في الكويت تحرك نصف مليون جندي وآلة عسكرية ضخمة جداً؟! ولماذا لم تفرض الشرعية الدولية في فلسطين إلا طاولة مفاوضة وأربعة أو خمسة كراسي حولها؟! فالشرعية الدولية اصطلاح لا يعرف حقاً ولا باطلاً، لا يعرف إلا القوة.

أما شريعة الحق -شريعة الله- فهي أمر مختلف تماماً، هي شرعية تقوم في الأساس على احترام خالق هذا الكون، شرعية تعرف الحق كما عرفه مالك الملك ذو الجلال والإكرام، وتعرف الباطل كذلك كما عرفه مالك الملك ذو الجلال والإكرام، شرعية تقوم على أساس نشر العدل المطلق والرحمة المطلقة بين الخلق، شرعية تريد الخير للعالمين والرحمة لهم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧].

والصراع قديم جداً بين الشرعية الدولية لأهل الباطل وبين الشرعية الإسلامية لأهل الحق، فقد اصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يعبدوا أصناماً من دون الله، يعني: قرار الأمم المتحدة في مكة زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، فهل هذا الاجتماع يعطي هذه العبادة صورة الحق؟ اصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يعذبوا المسلمين ويصادروا أموالهم وديارهم، وهي عملية تجميد أموال كما نسمع، اصطلحوا على أن يفرضوا آراءهم بسلاحهم، فهل هذا التعذيب حق؟ اصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يحاصروا المسلمين في شعب أبي طالب ثلاث سنوات كاملة، فهل كان هذا الحصار حقاً؟ اصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حادثة الهجرة ل

<<  <  ج: ص:  >  >>