[المؤامرة الأخلاقية والفكرية وخطورتهما على المجتمعات]
يا ترى ما هي أخطر مؤامرة في هذه المؤامرات جميعاً؟ الواحد قد يقول: إذا لم يكن كل هذه المؤامرات خطيرة، فلماذا تحديد أي المؤامرات أخطر أو أقل خطورة مادمنا سندافع عنها جميعاً؟ لكن انظر، إذا همشت مؤامرة من المؤامرات، وقللت من قيمتها؛ ضاعت الأولويات عند المسلمين، فيصرفون الأوقات الكثيرة في رد كيد المؤامرات الضعيفة، ويتركون ما هو أشد؛ ولذلك يجب أن يبحث المسلمون عن أخطر المؤامرات، ويوجهوا إليها طاقتهم مع عدم إغفال الرد على المؤامرات الأخرى.
نرجع هكذا مرة أخرى، وكل واحد يحاول أن يختبر نفسه، أي المؤامرات أشد على المسلمين؟ أتراها المؤامرة السياسية، أم العسكرية، أم الاقتصادية، أم التفريقية بين الشعوب والأفراد، أم الأخلاقية، أم الفكرية؟ كثير من الناس من الممكن أن يختار المؤامرة العسكرية؛ لأنها تبيد أعداداً كبيرة من البشر في وقت سريع، كلنا نجعل في بالنا قصف الأباتشي، وقتل العشرات أو المئات رقم يلفت الأنظار.
وبعض الناس قد يختار المؤامرة السياسية التي تضيع الحقوق، وتضحك على الشعوب، وتقنع الشعوب أنها أخذت حقها وقد ضاع منها كل شيء.
وقد يختارون المؤامرة الاقتصادية التي تجوع الأمم وتقتل الأفراد، لكن مع خطورة هذه المؤامرات جميعاً فإن أخطرها على الإطلاق هي المؤامرة الفكرية متبوعة بالمؤامرة الأخلاقية، وأنا أعلم أن الجميع يعلم خطورة المؤامرة الأخلاقية على الأمة الإسلامية، إلا أن المؤامرة الفكرية أشد وأنكى في المسلمين، يا ترى ما هو الفرق بين المؤامرة الفكرية والمؤامرة الأخلاقية؟ وما هو الذي يجعل المؤامرة الفكرية أشد، مع كون المؤامرة الأخلاقية من أبشع الأشياء أو المؤامرات التي يمكن أن توجه إلى قلب الأمة الإسلامية؟ سأعطيكم أمثلة على ذلك: السيدة التي تخرج بلا حجاب، وعلتها في ذلك أنها ترى نفسها أجمل بدون حجاب، أو تسعى للزواج، أو لا تجد القدرة على التغيير، أو مكسوفة من صديقتها، هذه المرأة تعاني من مشكلة أخلاقية، فهي تعلم أين الحق وتتبع غيره لضعف في نفسها، بينما السيدة التي تخرج بلا حجاب؛ لأنها ترى أن الحجاب موضة قديمة كما يقولون، ولباسه رجعية وتخلف وجمود، هذه المرأة تعاني من مشكلة فكرية.
أي المشكلتين أخطر: الرجل الذي يأخذ رشوة، ويقول: آخذها لأن ظروفي صعبة، ولولا الظروف الصعبة لم أفعل ذلك.
اللهم سامحني؟ هذا الرجل يعاني من مشكلة أخلاقية، بينما الرجل الذي يقول: لا، هذه ليست رشوة، هذه إكرامية، أو هذا حق مكتسب نتيجة مجهود معين فعلته، ويبدأ في تقنين الرشوة، هذه مشكلة فكرية.
كذلك في أمور العبادات، الرجل الذي لا يصوم ويقول: والله أنا أجوع بسرعة، أو أنا لا أعرف أن أركز وأنا صائم، أو لا أستطيع أن أترك السجائر، أو أن أصحابي كلهم ليسوا بصائمين؟ فهذا رجل طبعاً عنده مشكلة أخلاقية خطيرة، لكن الرجل الذي يقول: إن الصيام هذا يقلل الإنتاج، أو إن الصيام فعل خطأ قد يؤخرنا إلى الوراء.
تستغربون هذا الكلام، لكن هذا الكلام حصل، وقاله زعيم أمة عربية، زعيم توفاه الله، كان يقول: إن الصيام يقلل الإنتاج، ويضعف من الطاقة؛ ولذلك ينصح شعبه ألا يصوم، إي والله كان يقول ذلك.
أو يقول: إن الصيام شرع لأجل الشعور بالفقراء وأنا أشعر بهم، فلماذا الصيام؟! هذا الرجل وأمثاله يعانون من مشكلة فكرية خطيرة جداً، حتى الفقهاء يقولون: إنه من ترك الصيام وهو يقدر عليه تكاسلاً فهو فاسق، أما من تركه إنكاراً له فهو كافر.
أيضاً في قضية فلسطين قد يقول شخص: أنا أعرف كل الذي يحصل في فلسطين، وبودي أن أساعد، لكنني أرى كذا وكذا من الأمور، فلن أساعدهم، وربنا غفور رحيم، هذا الرجل له دور، لكنه لا يريد أن يقوم بهذا الدور، فهذه مشكلة أخلاقية، فهو رجل لا يوجد فيه نخوة، ولا يوجد فيه شهامة أو حمية لهذا الدين، لكن هناك رجل ثانٍ يقول: ما لنا ولفلسطين، نحن نعيش في بلد وفلسطين بلد ثانٍ، فهذا الرجل الأخير يعاني من مشكلة فكرية.
إذاً المؤامرة الفكرية أعمق وأخطر من المؤامرة الأخلاقية وكلاهما خطير، المؤامرة الفكرية تقلب الباطل حقاً، وتقلب الحق باطلاً، فقد يقاتل المرء حتى الموت من أجل قضية خاطئة، ولو عبث العابثون بفكرك لضاعت حياتك وراء أهداف باطلة لا تساوي في ميزان الله ولا في ميزان الإسلام شيئاً، انظر إلى قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:١٠٣ - ١٠٤]، سبحان الله! وشخص ينشر فساداً وإباحية وفسقاً ومجوناً ويشجع أفلام العري، ويسمح بظهور النساء شبه عاريات، ثم يظن أنه يقاتل من أجل تنوير الشعوب وتحرير الفكر، ومن أجل توسيع المدارك، بل قد يضحي من أجل ذلك بوقته، وصحته، ومجهوده وماله، هؤلاء هم {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:١٠٤].
هذه مشك