نأخذ مثلاً إجابة أن بها القدس، هل نحرر فلسطين لأن بها القدس؟ القدس طبعاً مدينة شريفة ومباركة، وذات قيمة هامة جداً عند المسلمين، تأخذ موقعها المتميز مباشرة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفوق القيمة الدينية العالية فهي ثغر قديم من ثغور الإسلام، وأرض جهاد دائم، وأهلها في رباط إلى يوم القيامة، لكن الحقيقة أن شيئاً خطيراً سيحدث إذا قلنا: إننا نحرر فلسطين من أجل القدس، فإنه سيأتي العدو عند لحظة من لحظات المساومة ويقول لك: خذ القدس واترك كذا وكذا من أرض فلسطين؛ ولذلك فالعدو نفسه سيعلي جداً من قيمة القدس في إعلامه وسفاراته ومفاوضاته حتى إذا سمح لك بأخذها فتح لك الطريق لتسلم غيرها بسهولة، والأمم المتحدة من شدة خبثها أنها لما قامت بمؤامرة تقسيم فلسطين عام ١٩٤٧م فصلت القدس لوحدها وجعلتها تحت رعاية دولية، وبذلك رفعت من قيمتها جداً عند المساومة، فيأتي الفلسطيني المفاوض ويقول: لا بد أن آخذ القدس، سأقيم دولة فلسطينية عاصمتها القدس، فيوافقونه بعد جدال، ثم يكتشف وكأنه قد فقد بصره ساعة المفاوضات أنه لم يأخذ إلا ٢٢% فقط من الأرض فيها القدس، وسلم ٧٨% من الأرض خالصة لليهود، ثم يكتشف أيضاً كارثة أخرى بعد أيام أو شهور أن ٦٠% من الضفة الغربية فيها مستوطنات يهودية، وفي النهاية يجد نفسه لا يملك إلا ١٠% أو أقل مهلهلة تماماً، لكن الحمد لله معه القدس!! ونحن متفقون أن أرض فلسطين بأكملها إسلامية محتلة واجبة التحرير، وهذا الذي كان المفاوضون ينادون به من قبل، نأخذ أرض فلسطين بأكملها، لكن سبحان الله! إنها المؤامرة، فهناك أناس يدبرون، وأناس لا يمانعون في الوقوع في المؤامرة، ثم هناك مرحلة أخطر في المساومات، فإنه عندما يشاهد ضعفاً أكبر في صف المفاوضين يبدأ بالمفاوضة في تقسيم القدس فتصبح هناك قدس شرقية وقدس غربية.
والله أذكر عنواناً رئيساً في صحيفة عربية مشهورة يقول: لا تفريط في القدس الشرقية.
والغربية؟ هل الغربية أصبحت ملك اليهود؟! وبقية فلسطين يجوز فيها التفريط؟! ثم بعد ذلك مرحلة أخطر وأخطر في المفاوضات، وهو ما تم في أوسلو في المفاوضات السرية، والتي ظهرت في الصحف بعدها بشهور، أن اليهود اتفقوا مع أبي مازن المفاوض الفلسطيني البارز على إنشاء أحياء جديدة في شرق مدينة القدس يطلقون عليها اسم القدس، ويأخذ اليهود مدينة القدس الأصلية، ويسمونها أورشليم، بينما يأخذ الفلسطينيون الأحياء الجديدة ويسمونها القدس، وحينذاك الحمد لله إسرائيل أخذت أورشليم، وفلسطين صارت عاصمتها القدس، والحمد لله سيأخذ الفلسطينيون مدينة في شرق القدس، وشيء طيب أنهم لم يعملوها في بلد أخرى، في الأردن أو في لبنان ويسمونها القدس.
إذاً: شيء خطير جداً أن أقول: أنا أحرر فلسطين من أجل القدس، لكن أنا أحرر فلسطين من أجل فلسطين؛ لذلك أنادي أن تظهر دائماً الدعاية لفلسطين تحت عنوان فلسطين وليس القدس، مثلاً تقول: فلسطين إسلامية، ولا تقول: القدس إسلامية، تقول: فلسطين لنا، ولا تقول: القدس لنا، تقول: لا تفريط في فلسطين، ولا تقول: لا تفريط في القدس، وهكذا.