[اعتماد اليهود على المنطلق الديني في سعيهم لإنشاء دولتهم]
وهذه النقطة تحدثنا عنها في الدرس السابق وما فيها من تمييع تام للقضية؛ وهدر كامل لأسباب القوة.
إسرائيل كانت في منتهى الذكاء أن ضربت على هذا الوتر لما قامت، وأطلقت على نفسها اسماً قومياً عنصرياً إسرائيل وهو يعقوب عليه الصلاة والسلام، وهو منهم ومن أمثالهم بريء، وكأن كل الدولة تقوم على أكتاف أولاد إسرائيل، مع أن معظم اليهود في إسرائيل ليسوا من أبناء يعقوب ولا حتى من الأسباط، بل هم من الذين دخلوا اليهودية في أوروبا الشرقية وأفريقيا بعد ذلك.
اليهود ثلاث طوائف ضخمة جداً، منشئوا الدولة اليهودية والذين يسيطرون على أعلى وأهم المناصب حتى الآن هم من طائفة يهودية تسمى الإشكانيزيين، والإشكانيزيون هؤلاء في اللغة العبرية تعني: الألماني؛ لأنهم كانوا يعيشون زماناً طويلاً يتكلمون لغة مكونة من خليط من الألمانية والعبرية، عاشوا في ألمانيا وشرق أوروبا وروسيا، وهم جميعاً من سلالات قبائل الخزر الوثنية الذين كانوا يسكنون في تلك المناطق، واعتنقوا اليهودية في القرن العاشر الميلادي يعني: في زمن حديث جداً، ولا يمتون بأي صلة عرقية لبني إسرائيل، ويطلق عليهم أحياناً اليهود الغربيون، هل تعلمون كم يمثلون هؤلاء من اليهود في العالم؟ قرابة ٨٠%، ٨٠% من يهود العالم ليسوا من أصل إسرائيل، ومنهم معظم يهود الولايات المتحدة الأمريكية الذين هاجروا إليها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ومن هؤلاء خرج معظم زعماء الحركة الصهيونية وقادة إسرائيل الآن.
المجموعة الثانية من اليهود: هم اليهود الشرقيون، يطلقون عليهم اسم السفرديين، وهم الذين عاشوا فترات طويلة في بلاد المسلمين، سواء في الأندلس أو في شمال أفريقيا أو في مصر أو تركيا أو إيران، وهؤلاء يتكلمون إما العربية وإما لغة أخرى تعرف باسم اللدينو خليط بين العبرية والأسبانية، ولذلك سموا بالسفرديين، والسفردي بمعنى: أسباني، وهؤلاء معظم أبناء اليهود الذين شتتهم الرومان من فلسطين.
المجموعة الثالثة: هي يهود الفلاشا المشهورة، وهم اليهود الذين يعيشون في أفريقيا وبالذات في أثيوبيا، إذاً: معظم يهود العالم ليسوا من أبناء إسرائيل، كما أنه ليس كل أبناء إسرائيل ظلوا على يهوديتهم، فكثير من أبناء إسرائيل دخلوا النصرانية على مدار عشرين قرناً سابقة، وكثير منهم أيضاً دخلوا الإسلام على مدار أربعة عشر قرناً سابقة، وهؤلاء النصارى أو المسلمون وإن كانوا من أبناء إسرائيل إلا أن اليهود لا يدينون لهم بأي ولاء، بل على العكس يكنون لهم كل الكراهية والبغض.
إذاً: ما الشيء الذي جمع شتات اليهود من كل بلاد العالم؟ ما هو الشيء الذي ضم كل العنصريات المختلفة الأوربية والروسية والأفريقية، والعنصريات التي أصلاً من بني إسرائيل؟ هذا الشيء هو الديانة اليهودية وليس العنصرية الإسرائيلية.
يعني: كلمة إسرائيل لا تمثل حقيقة الدولة، والتسمية الصحيحة المناسبة لهذه الدولة هي دولة اليهود، وهذه التسمية كانت تطرح في أروقة الأمم المتحدة قبل قيام إسرائيل (جيويش استيت) أو دولة اليهود، ومع ذلك لما قامت في سنة ثمانية وأربعين سمت نفسها إسرائيل؛ وذلك لأنها لو أطلقت على نفسها الدولة اليهودية كان بالتبعية أن يطلق على من حولها الدولة الإسلامية، وهذا شيء بالغ الخطورة على إسرائيل، فهي لا تريد استثارة النوازع الدينية عند المسلمين، فيصبح الإسلام في مقابلة اليهودية، ويفقه المسلمون المعركة كما فقهها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يعلمون مواطن القوة في جيش المسلمين، والمسلمون لا يعلمون مواطن القوة في جيشهم، هم يريدون أن يفهم المسلمون المعركة على أنها حرب بين عنصرين بين أبناء إسرائيل وبين أبناء يعرب العربي، فتصبح إسرائيل في مقابلة العرب، ويصبح الصراع اسمه الصراع العربي الإسرائيلي، وليس الصراع الإسلامي اليهودي.
وشتان.
وبالتأكيد فإن اليهود قد قرءوا جيداً تاريخ المسلمين، وعلموا أن لحظات الانتفاضة الحقيقة والنصر المبين للمسلمين لا تكون إلا تحت راية الإسلام، أما غيرها من الرايات فلا يتحقق تحته نصر، فقال اليهود: فليحاربنا المسلمون تحت أي راية، فسوف ننتصر عليهم.
تحت راية العروبة أو تحت راية الاشتراكية أو تحت راية الرأسمالية أو تحت راية الفلسطينية أو الفرعونية أو الفينيقية أو أي راية، إن ذلك ليس مهماً، المهم عندهم عدم وجود راية الإسلام، انظر إلى كلام بن غوريون أول رئيس لإسرائيل: نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات، نحن فقط نخشى الإسلام هذا المارد الذي نام طويلاً، وبدأ يتململ من جديد.
كذلك شيمون بيريز في مؤتمر انتخابه كان يقول: لا يمكن أبداً أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهراً سيفه، ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه، نسأل الله أن يخيب ظنه، ولن يغمد الإسلام سيفه أبداً.
إذاً: القتال تحت راية العروبة بدلاً من راية الإسلام شيء خطير لما ذكرناه أولاً؛ لأنه لا يهمنا من عاش فيها أولاً، المهم متى فتحت؟ ثانياً: لأننا لا يشرفنا