[موقف الشرع الإسلامي من أرض إسلامية احتلها الكفار]
لو احتل جزء من الأرض الإسلامية ماذا يكون الوضع؟ اجتمع فقهاء المسلمين على أنه يتعين الجهاد في سبيل الله لتحرير أي جزء محتل من بلاد المسلمين، ولو كان شبراً واحداً، يتعين الجهاد يا إخوة! أي: يصبح فرض عين كالصلاة والصيام في رمضان والزكاة.
والفروض بصفة عامة إما فرض عين وإما فرض كفاية، ومعنى فرض عين: يتعين على الفرد المسلم أن يقوم به بنفسه، ولا يسقط بإقامة البعض له مثل الصلاة المفروضة، فلا يصح أن يصلي أحد بالنيابة عن الآخر، وكذلك الزكاة إن كان يمتلك الزكاة الذي وجب عليه نصاب وحال عليه الحول، وإذا لم يقم به الفرد المسلم أثم واستحق عقاباً من الله سبحانه وتعالى.
أما فرض الكفاية: فهي الفروض التي تجب على بعض الناس دون البعض الآخر، ولو فعلوها وسدوا العجز لسقط الإثم عن الجميع، ولو لم يفعلها أحد أثم جميع المسلمين، كالأذان مثلاً، فإنه لا يجب على كل المسلمين أن يقوموا عند وقت الأذان ويؤذنون، وإنما يكفي المسلمين أن يقوم رجل ويؤذن للصلاة.
كذلك صلاة الجنازة، ورد الشبهات عن الإسلام مثلاً، ومثل بعض الأمور التي تتصل بإصلاح النظام المعيشي، مثل الزراعة والطب والصناعة والهندسة، كثير من الأمور يكفي أن يكون فيها بعض المسلمين يقومون بها حتى يسقط الإثم عن بقية المسلمين.
وبالنسبة للجهاد هو في الأصل فرض كفاية، إذا قام به بعض المسلمين وحصلت بهم الكفاية سقط الإثم عن بقية المسلمين؛ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً إلى بني لحيان فقال: لينبعث من كل رجلين أحدهما، والأجر بينهما).
إذاً: الجهاد في الأصل فرض كفاية، لكنه يتعين فيصبح مثل الصلاة المفروضة وصيام رمضان في أمور ثلاثة: أولاً: أن يحضر المكلف صف القتال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال:١٥].
ثانياً: إذا استنفر الحاكم أحداً من المكلفين، فمثلاً لو كان هناك خلافة إسلامية وكان هناك جهاد في بلاد الشام والحاكم استنفر رجالاً من اليمن تعين عليهم أن يتحركوا وللجهاد؛ لما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا).
ثالثاًً: إذا احتل العدو جزءاً من أرض المسلمين، -وهذا شبيه جداً بالموقف الذي نحن بصدده الآن في فلسطين- فإنه يتعين على أهل البلد المحتل أن يخرجوا جميعاً للقتال إن كان دفع العدو لا يتحقق إلا بخروجهم جميعاً، فإن لم يكفوا عاونهم الأقرب فالأقرب من بلاد المسلمين، ولو أتى ذلك على مسلمي الأرض جميعاً.
يقول أبو حنيفة رحمه الله: فإن غلب العدو على بلد من بلاد المسلمين أو ناحية من نواحيها ففرض عين -أي: الجهاد- فتخرج المرأة بغير إذن زوجها، والعبد بغير إذن مولاه، وكذا يخرج الولد من غير إذن والديه، والغريم بغير إذن دائنه.
ثم يقول: امرأة سبيت من الشرق وجب على أهل المغرب تخليصها.
فسبحان الله! نفس الكلمات يا إخوة! تتكرر، ولكن بصيغ مختلفة في فقه المالكية والشافعية والحنابلة، فهذا أمر مجمع عليه، أنه إذا احتل جزء من أرض المسلمين ولو جزء يسير؛ وجب على المسلمين وتعين عليهم أن يحرروه.
إذا: ً أي بلد فتح بالإسلام قتالاً أو صلحاً أصبح بلداً إسلامياً، وتعين على المسلمين تحريره إن احتل شبر منه، فلسطين أو غير فلسطين من البلاد الإسلامية المحتلة.
لكن هناك أولويات، فليس من المعقول أن يكون الموقف ساخناً جداً في فلسطين والشيشان وكشمير، ونحن نقوم بتجميع الجيوش، ونذهب لتحرير إسبانيا مثلاً أو فرنسا أو اليونان، فلا بد أن يكون هناك أولويات عند المسلمين في القضايا الحادة الساخنة، مثل قضية فلسطين أو الشيشان أو كشمير أو البوسنة والهرسك أو كوسوفا، توجه إليها الجيوش وتوجه إليها الطاقات، ويوجه إليها الجهد.
فقد يقول قائل: هذا كلام جميل، لكن ينافي الحلول الواقعية التي ذكرتها في البداية، ونحن قلنا في البداية: إننا نتحدث مع الطبيب والمهندس والنجار والسباك والحداد، ونتحدث مع عموم الأمة، ولا نتحدث مع من بيده أن يخرج الجيوش ويجهز الطاقات للحروب، فهل هذا فيه تعارض مع ما ذكرناه في بداية المحاضرات؟
الجواب
أولاً: نحن نتحدث عن مفاهيم أساسية: حتى تعمل لا بد أن تفهم أولاً، ولا بد أن تعرف حقوقك حتى تستطيع أن تقاتل من أجلها، وهذه المحاضرات يا إخوة! سيسمعها أحد رجلين، إما في داخل فلسطين وإما في خارج فلسطين، فلو كان السامع في داخل فلسطين ولديه الفرصة للجهاد لا بد أن يعلم أنه قد تعين عليه الجهاد، ولا بد أن يعلم حدود حقوقه التي لا يجوز له التنازل عنها، ولو كان السامع لهذه المحاضرات خارج بلاد فلسطين فعليه أن يعين على هذا الجهاد.
روى البخاري و