إن القضية ليست قضية فلسطين فقط، بل هي قضية الأمة بأسرها، لن يتغير حالنا من ذل إلى عزة ومن ضعف إلى قوة، ومن هوان إلى تمكين إلا إذا أصلحنا أنفسنا ومجتمعنا، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الرعد:١١] فالله لن يغير حالة الأمن والتمكين والسيادة التي كنا عليها إلا عندما غيّرنا حالنا معه سبحانه، ولن تعود الأمور إلى طبيعتها إلا إذا أصلحنا ما بيننا وبين الله، وما بيننا وبين أنفسنا، وما بيننا وبين مجتمعنا.
يقول سبحانه وتعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[النحل:١١٢] في منتهى الوضوح، ويقول سبحانه وتعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف:٩٦]، وانظر إلى قوم سبأ في كتاب الله، وكما ذكرنا من قبل فكتاب الله ليس كتاباً للتاريخ يصف أحوال الأمم السابقة لمجرد العلم، بل هي للعبرة، انظر إلى قوم سبأ:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}[سبأ:١٥] * ((فَأَعْرَضُوا)) ماذا حدث بعد الإعراض؟ {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}[سبأ:١٦ - ١٧].
من هذا المنظور يا إخوة! ستصبح حياتنا بأسرها منظمة متناغمة متناسقة، تهدف إلى شيء واحد وهو رضا الله سبحانه وتعالى، وتتخذ طريقاً واحداً هو الذي بينه الله عز وجل، وسار فيه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، يصل الطريق إلى جائزة واحدة هي الجنة.
من هذا المنظور تصبح كل حركاتنا وكل سكناتنا، أو قل: تُصبح كل حياتنا حلاً لقضية فلسطين، وعوناً لأهلنا هناك ودعماً لجهود المجاهدين، من هذا المنظور سنعيش فترة بناء حقيقة، من هذا المنظور تصبح صلاتنا في جماعة دعماً لقضية فلسطين، وتُصبح قراءتنا للقرآن دعماً لقضية فلسطين، ويُصبح تسبيحنا، وتحميدنا، وتكبيرنا، وتهليلنا وجميع ذكرنا دعماً لقضية فلسطين، وكذلك يصبح بر الوالدين، وصلة الرحم، ورعاية الجار، وحفظ الطريق، وعون الملهوف، وإعانة المحتاج، وستر المسلم كل ذلك دعماً لفلسطين، وكذلك يصبح غض البصر، وحفظ الفرج، وصيانة اللسان، ووقاية السماع، وطاعة الجوارح دعماً لفلسطين، وكذلك يصبح الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم الناس الخير، ودعوة الآخرين إلى الفضيلة، يصبح كل ذلك دعماً لفلسطين، وكذلك يُصبح التواضع والكرم، والإخاء والمودة، والتسامح والتهادي، والاعتدال والإيثار دعماً لقضية فلسطين، وكذلك تصبح محاربة الربا، ومقاطعة الرشوة، ونبذ الفرقة، وترك المحرمات، والبعد عن الشبهات دعماً لقضية فلسطين، وكذلك يُصبح علمك ودراستك، وجدك وتفوقك دعماً لقضية فلسطين، وكذلك تُصبح أمانتك في مصنعك، وفي متجرك، وفي حقلك، وفي عيادتك، وفي شركتك كل هذا يُصبح دعماً لقضية فلسطين.
تتحول كل حياتنا يا إخوة! إلى دعم قضية فلسطين وقضية الشيشان وكشمير وأفغانستان والبوسنة وغيرها، بل تتحول حياتنا لدعم حياتنا.
فنحن أول من يستفيد من طاعتنا لربنا، يرفع الله عنا البلاء ويكشف الضراء، وتُشرق الأرض بنور ربها، كفانا صراعات بيننا وبين فطرتنا السليمة، كفانا بُعداً عن طريق قويم لا عوج له، كفانا سعياً وراء أناس ما عرفوا الله كما عرفناه.
بذلك نُدرك أن حل قضية فلسطين بأيدينا وليست بأيدي غيرنا، وبذلك نُدرك أن قضية فلسطين ليست قضية هامشية في حياتنا؛ بل هي محور كل حياتنا، بذلك نُدرك أن عدونا ما هزمنا لقوته ولكن لضعفنا.
فقوتنا في أيدينا، وأفكارنا في عقولنا، وإيماننا في قلوبنا لا يتسلط علينا أحد مهما بلغت قوته، ولو كان الشيطان نفسه، يقول سبحانه وتعالى:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[الإسراء:٦٤] كل هذا الاستفزاز والجلب بالخيل والرجال في الزمان الأول، والاستفزاز في هذا الزمان بالدبابات، والطائرات، والقاذفات، والغواصات، والبوارج، والتحالفات والعلاقات، والمشاركات في المال والأولاد، والوعود برفع الديون وإنعاش الاقتصاد، وإعطاء المنح والهدايا، وتمكين الحكم والسلطان، كل هذا