للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تاريخ يهود حافل بالمؤامرات والدسائس]

نعود إلى موقف اليهود من هذا الجبل السلطان عبد الحميد الثاني ومن الخلافة العثمانية الجامعة للمسلمين، تعالوا نرى تخطيط اليهود، وهم قوم اشتهروا في كل تاريخهم بالدس والمؤامرة والتدبير والمكر: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:٤٦].

أولاً: حاولوا في البداية أخذ الطريق الأسرع في مؤامرات متعددة لاغتيال السلطان عبد الحميد الثاني، لكن بحمد الله فشلت، وهنا علم اليهود أن هذا الطريق السريع قد يغير من السلطان، لكن لا يغير من واقع الدولة وسياستها، فبدءوا في طريق آخر ولا شك أن هذا الطريق الذي سلكوه هو طريق ناجح، فقد قوض أركان الخلافة في سنوات معدودات سبحان الله!! ولكن قبل الحديث عن هذا الطريق الخبيث، دعونا نترك السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله ونترك تيودور هرتزل والإنجليز وفلسطين، ونسبح في أعماق التاريخ مئات السنين، نعود إلى أرقى عهود البشرية على الإطلاق، نعود إلى عهد قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بعد الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة، وبعد المؤاخاة المشهورة بين الأوس والخزرج على ما كان بينهم من خلاف وشقاق وقتال قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد الائتلاف والمودة والرحمة، عاشت المدينة المنورة لحظات سعيدة بل لعلها أسعد اللحظات التي مرت بالأرض، وكيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم وقد صفيت القلوب من الغل والحسد؟ لحظات سعيدة مرت على المدينة المنورة.

غير أنه مع هذا الفضل الكبير كان هناك في المدينة تعساء، من هم؟ اليهود نعم.

اليهود كانوا تعساء، أكل الغيظ قلوبهم، ونهش الحسد عقولهم، وأعمى الغل أبصارهم، وهم يشاهدون المدينة تجتمع بعد فرقة، وتتحد بعد اختلاف، وتتحاب بعد كراهية.

فماذا هم فاعلون؟ اسمع وتدبر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧]، والتاريخ يتكرر مع شاس بن قيس، شاس بن قيس هذا هو شيخ يهودي كبير في السن، مر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، فوجدهم يتكلمون ويتسامرون، وقد توطدت بينهم وشائج الأخوة فراعه ذلك، وزاد غيظه وحنقه على المسلمين، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة في هذه البلاد - يقصد الأوس والخزرج- لا والله! ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، انظر إلى رأي شاس بن قيس، لا قرار لليهود إذا اجتمع الأوس والخزرج وهو اعتقاد صحيح، هكذا أدرك شاس بن قيس عليه لعنة الله وأدرك من بعده اليهود مثل ما أدرك شاس بن قيس أن اجتماع المسلمين فيه هلكة لليهود.

فأمر شاس بن قيس فتى من يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم واجلس بينهم، ثم ذكرهم يوم بعاث -يوم تقابل فيه الأوس مع الخزرج وكان فيه قتلى كثر- قال شاس بن قيس: ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله من صراع وتشاحن بين الفريقين، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا به من الأشعار، ففعل الفتى.

ماذا كان رد فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج؟ لاحظوا يا إخوة أننا نتكلم عن الصفوة نتكلم عن الأنصار الأوائل.

فتكلم القوم عند ذلك، وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب، فتقاولا -يعني: تصارعا- ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها جذعة -أي: نرجع الحرب من جديد- فغضب الفريقان جميعاً وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الحرة -مكان اعتاد الأوس مع الخزرج القتال فيه- السلاح السلاح، فخرجوا إليها، سبحان الله!! كارثة عظيمة، وخطر كبير، وخطأ فادح.

فهذا ما كنا نتحدث عنه في المحاضرة الثالثة لو تذكرون، هذه هي القومية والقبلية والعنصرية، هذا هو الفارق بين رباط العنصر وبين رباط الإسلام، لما كانوا مجتمعين على الإسلام كانت القلوب متحابة، والأيدي متصافحة، أما الآن وقد قبلوا بانتمائهم إلى آبائهم الأوس والخزرج فقد تنافرت القلوب وتعاركت الأيدي.

قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً، وخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه، حتى جاءهم فقال: (يا معشر المسلمين! الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع عنكم الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم؟).

انظروا يا إخوة! إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم).

ما هي دعوى الجاهلية؟ هل سجدوا لصنم؟ أو ذبحوا لغير الله؟ أبداً، إنهم فقط تفاخروا بآبائهم، وتقاتلوا على أساس عنصريتهم وقبليتهم، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جاهلية.

ثم كيف كان العلاج من سيد البشر والخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم؟ أولاً: ذكرهم بالرباط الذي يربط الناس جميعاً في هذا الكيان الجديد، فقال: (يا معشر المسلمين!)، ولم يقل: يا معشر الأوس

<<  <  ج: ص:  >  >>