إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذا اللقاء من لقاءات لطائف المعارف يحمل عنوان: أصول الخطايا.
ونحن نعلم يقيناً أن الإنسان ما حمل على كاهله شيئاً أعظم من ذنبه؛ لأن الذنوب أسباب الهلاك قال الله جل وعلا:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}[نوح:٢٥].
وقال قتادة حمه الله: وبلغنا أنه ما خدشة عود ولا تعثر قدم ولا خلجان عرق إلا بذنب وما يعفو الله أكثر.
لذلك فإن البحث في أصول الخطايا من أعظم ما يعين العبد على تجنبها، والعلماء استقصوا الأدلة والآثار الثابتة في الكتاب والسنة فوجدوا أن هناك أصولاً للخطايا يمكن جمعها في ثلاث: الكبر والحرص والحسد، وقالوا في بيان هذا إجمالاً: إن الكبر به عصى إبليس ربه، فكان أول ذنب عصي الله جل وعلا به يوم أن امتنع إبليس عن السجود لآدم، وكان ذلك بسبب الكبر، قال الله جل وعلا يحكي هذا الأمر:{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[ص:٧٦]، فإبليس هنا يكبر بكبره وعلوه، ويترفع بعنصره على السجود لآدم، كما أن الحرص بعد ذلك كان سبباً في إخراج أبينا آدم من الجنة، فإن إبليس جاء لآدم:{قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى}[طه:١٢٠] مع أن الله جل وعلا أباح لآدم الجنة كلها، لكن الله جل وعلا استثنى تلك الشجرة أن يأكل منها آدم، فجاء إبليس يقسم له {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف:٢١] قال الله: {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه:١٢١]، فحرص آدم عليه السلام على أن يجمع كل ما في الجنة كان سبباً -بقدر الله وبحكمته جل وعلا- في إخراج أبينا عليه السلام من الجنة.
ثم تاب الله عليه كما بين الله ذلك صريحاً في كتابه.
الثالث: الحسد، والعلماء استنبطوا أن الحسد من أصول الخطايا؛ لأنه يدفع بعد ذلك إلى الآثام القولية والفعلية، وجعلوا قتل قابيل لأخيه هابيل دليلاً على ذلك، فإن الله جل وعلا قال:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة:٢٧] قال أهل العلم: إن الذي أنبت الغل والشحناء في قلب قابيل هو حسده لأخيه لما تقبل الله جل وعلا منه قربانه ولم يتقبل منه ما تقدم به من قربان، وما رد الله قربان قابيل إلا لسوء في نفسه، فهو قد اختار أردى ما يملك، بخلاف هابيل الذي اختار أحسن ما يملك، فجاءت النار فأكلت قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل، هذا الحديث عن أصول الخطايا إجمالاً.