من شعراء الجاهليين: لبيد بن ربيعة، ولبيد بن ربيعة يختلف عن بقية الشعراء الجاهليين أصحاب المعلقات؛ لفارق عظيم وهو أنه أدرك الإسلام، فأسلم، أما الأعشى فقد أدرك الإسلام -كما سيأتي- لكنه لم يسلم، أما لبيد فقد من الله عليه بالإسلام وهو القائل: الحمد لله الذي لم يأتني أجلي إلا وقد كسيت من الإسلام سربالا هذا لبيد من المعمرين، حتى قيل: إنه مل من طول حياته، وأن الناس كلما قابلوه، قالوا له: كيف أنت؟ كيف حالك؟ ما أخبارك؟ ولهذا قال: ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد؟ قال في مطلع معلقته: عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها وله فيها بيت خالد في تصوير فني بديع: وجلا السيول عن الطلول كأنها زبراً تجد متونها أقلامها ويزعم أهل الأدب والرواة الإخباريون أن الفرزدق الشاعر الأموي الشهير مر ذات يوم على مسجد لبني زريق في البصرة أو في الكوفة، فلما مر سمع منشداً ينشد الشعر والناس حوله، فأتى المنشد على قول لبيد: وجلا السيول عن الطلول كأنها زبراً تجد متونها أقلامها فخر الفرزدق ساجداً، وتعجب الناس، فلما رفع رأسه قالوا: يا أبا فراس ما هذا؟ قال: أنتم تسجدون لجيد القرآن وأنا أسجد لجيد الشعر، والمعنى أن هذا البيت فيه صورة بديعة تبين اتصال الجاهليين عموماً بالبيئة وأثرها في شعرهم، وفي لبيد أكثر وصفاً، وله في معلقته أبيات جميلة جداً، لكن المقام لا يتسع للإطالة في حقه أكثر من غيره.